المتيم.. حكاية ميسلون مع نجم

ثقافة 2023/01/23
...

 باسم عبد الحميد حمودي

تقول الروائيَّة ميسلون هادي في إحدى يومياتها في كتابها الحزين (المتيم) 12 - 9 - 2020: «لا أقصد الشكوى عندما أشارككم وأبثكم أحزاني، لكني أجد في  الحديث عنها قسطا من التأسي، وأنها تمشي إذا ما سار أحد معها.. من مجرى الدمع الى مجرى القلم».

و(المتيم) الذي يشكل عند الكاتبة سيرة البحث عن السعادة، كما هو العنوان الفرعي لهذا الكتاب الذي لاتمل قراءته هو يوميات كتبتها الروائية عن رحيل زوجها الراحل الناقد نجم عبد الله كاظم أستاذ الدراسات النقدية في الجامعة المستنصرية، والباحث الحيوي في الدراسات السردية العراقية ورجل الموسوعات المهم عن الرواية والقصة العراقية.

تقول ميسلون في مفتتح هذا الكتاب الذي أصدرته عن دار الرافدين 2022 إنَّ الكلمات المنشورة في هذا الكتاب كتبتها في صفحتها في «الفيس بوك» على مدى عام كامل، وكانت بدايتها تعبر عن حالة الصدمة التي عاشتها وأسرتها منذ دخول زوجها المحب المستشفى لإصابته بجلطة مفاجئة.

كان انتظارها وأولادها ساعة شفائه من ذلك العارض المخل نوعاً من انتظار الأمل، لكن ذلك لم يحدث وضاعت أيام الهناء والدعة والحب الهادئ العظيم بوفاته في 31 تموز 2020 بعد شهور من دخوله المستشفى، وهو من مواليد مدينة بهرز –ديالى 1951.

أهدت ميسلون يومياتها عن حياتها مع الراحل الكريم الذي أحبّته وأحبّها حدَّ الهيام إلى (ذي يزن ويمان وهنادي) المتيم بحبهم وأغلى ما عندهم في هذا الوجود، واستثنت ذاتها ولم تذكر شيئاً في هذا الأهداء الذي كشفت فيه عن الذين تيمه هواهم، وهم أفراد أسرته الجميلة التي لم يأل جهداً لإسعادها في كل تحركاته من بلد إلى آخر، وفي غربته عنهم لسنوات أيام الجوع والحصار ليستطيع تأمين الحياة الكريمة لهم ولها.

 يوميات ميسلون هادي تقلّب صفحات حياتها المثقلة بالحب والدرس الثقافي مع دكتور نجم، وهي تصف عاداته في الكتابة والدرس واهتمامه الدائم بالوصول إلى أدق التفصيلات في عمله النقدي المنهجي، وذلك من دراساته الأولى في جامعة أكستر عن الرواية العراقية وتأثيرات الرواية الأمريكية عليها، فضلا عن أكثر من عشرين دراسة مهمة أخرى عن السرديّات العراقيَّة كان ختام مسكها تلك الموسوعة المهمة عن الرواية العراقيّة التي صدرت بعد رحيله. وكانت المفاجأة كبيرة بالنسبة لي أنه أهدى آخر كتبه -هذه الموسوعة- إلى (باسم عبد الحميد حمودي) من دون سواه، لم يخبرني هو أنه فعل هذا، ولم توضح لي ميسلون حقيقة هذا الأهداء الذي ظننت أنه أهداء لنسخة واحدة. كما لم يفصح الصديق الأستاذ الدكتورعارف الساعدي مدير عام دار الشؤون الثقافية عن الأمر حتى صدر ذلك السفر.

وإذا كنت قد شاركت نجماً الكريم في احترام وحب الناس له ولجهده الكبير، فإنّي أشعر بعظم الخسارة التي صادفت أسرته الصغيرة وفي المقدمة منها الروائية ميسلون، وهي تنقل حزنها الشفيف إلى الورق وتدون تفاصيل من حياتهما الجميلة ورهافة الإحساس الذي يملكه ذلك المتيم الناضج خلقاً وعاطفة وعلماً.

يوميَّات ميسلون مثقلة بالعاطفة والتأمل ومراقبة الحبيب والحياة التي كان نجم يخترقها بحيويته. 

يكتب أو يصور أو يدرس ويحلل ما يقرأ عن وعي ودراية. تقول ميسلون في ص73 (ليس سهلاً أن يغير الإنسان أسلوب حياته لكي يتماشى مع أسلوب شخص آخر..) وهي تتحدث عن بدء رحلة ممتعة قضتها مع نجم، وتسرد في 7-1-21 الهزة النفسية التي حدثت لأسرتها الصغيرة ولها بفقدان الحبيب لتقول: (لم يعد يحدث في هذا الزمان شيء سوى أن نقاوم هذا الوقت المهدور في الوحشة والأنتظار).

إن متلازمة القلب المكسور التي أصيبت بها ميسلون على وفق تحليل صديقتها التشكيلية ميسلون فرج (ص108) لم تكن موائمة لشخصية ميسلون التي جرفها الحزن لفترة، لكننا وجدناها في كل يومياتها تعمل على ترميم حزنها بفقدان (المتيم) بالعمل الدؤوب من أجل التماسك والانتاج الثقافي الذي يواجه الفقدان، ويتغلب على آلامه، وتلك وسيلة مقاومة لسلبية (الفقدان) التي أتبعتها شخصياً بعد رحيل الحبيبة أم شهرزاد، فقد ازددت إقبالاً على العمل الثقافي للتقليل من أوجاع الخسارة الكبيرة التي هزتني.

مجداً لنجم وهو في عليين وتحية لميسلون وهي تكتب محتضنة من كان (المتيم) قد أحاط بهم وأحبهم دوماً.