لماذا أقرأ سيمون دو بوفوار؟

ثقافة 2023/01/23
...

 جاكلين سلام 

     قضيت عطلتي نهار الأحد وأنا أبحث في كتاب للمفكرة الفرنسيَّة سيمون دو بوفوار، صدر عام 2012 وبعد رحيلها. عنوان الكتاب: سيمون دو بوفوار/ كتابات سياسيّة. يضم كتابات منشورة وغير منشورة، ومقالات وسيناريو فيلم يحمل اسمها عام 1979.

كانت الكاتبة تريد أن يبقى اسمها وأثرها للاجيال بعد غيابها حين سُئلت عن الهدف من الفيلم فقالت: «لنقل أنه الغرور، لأنني أردت أن يعرفني الناس. ربما هناك ناس لم يقرأوني وسيعرفوني من خلال هذا الفيلم. وأيضا من أجل هؤلاء الذين قرأوني وأخطأوا في معرفتي. وأيضا من أجل الذين لم يقرأوني ومع ذلك أخذوا فكرة خاطئة عني. هذا الفيلم هو طريقة لوضع الأشياء في نصابها الصحيح» ترجمة جاكلين سلام.  

يبدو لي أنَّ الانسان حتى وهو يقترب من الموت يريد أن يشعر بالإنصاف اجتماعيا وفكريا وإبداعيا. هذا حق مشروع. والفيلسوفة الفرنسيَّة عبرت عن مثل هذا في إحدى المقابلات لصحيفة امريكية.

في أي مرحلة من الفمنستيَّة نحن الآن؟ 

ولماذا أساساً ولدت النزعة النسويَّة؟

النسوية مربكة وغير ثابتة عبر العصور. بل مرحلة اقتصادية اجتماعية تمر بها الشعوب كل في حقبة، وربما تنتهي حين تحصل المرأة على حق العمل والدخل المتكافئ مع الرجل لقاء الوظيفة نفسها، وحين يكون لها حق استخدام عقلها وقلبها وجسدها كما لو أنه ملكها الشخصي وليس لأحد وصاية عليه. 

*

صدر كتاب جديد عن دار أبجد للنشر والتوزيع، تحرير وإعداد الكاتبة المصرية سماح عادل. الإصدار عبارة عن حوارات مع كاتبات عربيات وفنانات، 25 حواراً بعنوان “عندما تحكي” وهو الجزء الأول من موسوعة تهدف لتوثيق إبداع النساء في المجالات المختلفة، ويشرف على إصدارات دار أبجد للنشر والترجمة والتوزيع الشاعر والمترجم العراقي حسين نهابة. ولكاتبة السطور مشاركة في الحوار أقتطف منها هذا السؤال والجواب. 

سؤال سماح عادل: .. وهل هجوم بعض الكتاب والنقاد الذكور على بعض كتابات النساء واتهامها أنها لا تخرج من دائرة الجسد تضايقك؟

جواب جاكلين: الجسد كون صغير يحمل مكوناته الوجوديَّة والبصمة الشخصيَّة. وهذا الكيان الكوني هو شبكة العلاقات المتشعّبة الممتدة من الكيان الفردي إلى الجسد الاجتماعي والسياسي والثقافي المحيط. هناك آلاف الحافات التي يعيشها الجسد ويتعايش معها. وفي النصوص مقاربات بين لغة المرأة الفرد وطبول الحرب والموت، حديث بين المرأة وجسد الشجرة التي تبقى واقفة أثناء الحرب وبعدها، وهناك جغرافية المكان والطقس والبيئة ومفردات الاغتراب الوجداني. باعتقادي أن من يقرأ نصوصي الشعريَّة على أنَّها ساحة جسد امرأة منكفئة على ذاتها يكون قاصراً في وعيه ومتسرعاً في حكمه. شخصيا كتاباتي لا أدرجها في نطاق الجسد الايروتيكي منذ أول مجموعة شعرية وحتى الخامسة. يبقى على الناقد أن يقرأ وينتقد النص شعريا وبنيويا ويحلل محمول الخطاب. ولا يغيب عني أن بعض الكاتبات بالغن في ثيمة الجسد حتى صارت كتاباتهن مجرد تأوهات وزعيقاً وبلادة وقحة أحياناً. وبعضهن للأسف يحظى على إعجاب ومجاملات فاقعة وخاصة في وسط الميديا الاجتماعية “فيسبوك” تحديدا يعج بكتابات قاصرة نسوية وجسدية لا علاقة لها بالشعرية وبالشعر. أما التذمر من كتابات المرأة فهو مسألة تاريخية ولم نتقدم كثيراً في تقييمنا للكتابة بقلم الأنثى..”.

ويضايقني ككاتبة وامرأة أن بعضهم (رجلا وامرأة) يقرأ بنصف عين ناقدة، وبربع وعي مدرك لنوعية الخطاب ومدارجه. ومع ذلك يقسم شهادات أدبية نقدية وأخلاقية على هذا وذاك.

هل النساء العربيات أقل تفكيرا وإبداعا من نساء الغرب لا سمح الله!

هل هي حرية التعبير المحدودة والمشروطة هي التي تحد وتقولب التفكير! على الغالب نعم. وهذا بحث يطول. نتوقف أمام مثال يحمل كما من البديهية والسخرية الواضحة كما اعتدنا أن نقرأ في مقالات الكاتبة الكندية مارغريت أتوود التي تتفوق في مقالاتها كما في رواياتها وشعرها ومقالاتها.

هكذا تكلمت مارغريت أتوود في مقال لها عن جسد المرأة نشر في صحيفة امريكية ثم صدر في كتاب يحوي العديد من مقالات لكاتب امريكيين بعنوان “أفضل المقالات الأمريكية - عام 1991”. 

“يحتوي جسد كل أنثى على دماغ أنثى. حاضر. يجعل الأشياء تعمل. اغرز  دبابيس فيه وستحصل على نتائج مدهشة. أغان قديمة شهيرة. دورات قصيرة. أحلام سيئة” ترجمتي. 

لا تعليق، سوى احذر يا أخي، لا تغرز في جسدها دبوساً إلا إذا كان عقلك وقلبك مخدراً أو ميتاً. ثم دلني على اسم فيلسوفة عربية واحدة أو مفكرة ظهرت منذ عصر النهضة ومابعد في الساحة العربية من المحيط إلى الخليج. بالتأكيد لا يوجد فلاسفة ذكور أيضاً في هذه المرحلة. هناك أفراد يفكرون ثم يتوقفون عن بلورة الافكار في نظرية أدبية أو اجتماعية لها أثر على ثقافات الأمم الأخرى. 

الأمل في المستقبل الذي قد ينصف النساء والرجال ويطرح ثمار الفكر العادلة للأجيال المقبلة. 


(شاعرة، مترجمة، صحفية سورية)