حل لغز لوحة جون سينغر سارجنت

ثقافة 2023/01/24
...

 بقلم: سيباستيان سيمي

 ترجمة: كريمة عبد النبي


تعدُّ لوحة "بنات أدوارد دارلي بويت" أفضل عملٍ فنيٍّ تمَّ إنجازه في العام 1882 وهي من أعمال الرسام الأمريكي جون سينغر سارجنت حين كان في السادسة والعشرين من عمره، وذلك خلال فترة مكوثه في باريس. كان فناناً شاباً موهوباً تمكن من تقديم بصمته الفنيَّة في العاصمة الفرنسيَّة.

وحسب صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية فإنَّ موضوع لوحة الفنان سارجنت هُنَّ أربع بنات لصديقيه نيد بويت وزوجته. كان الزوجان ميسوري الحال ويعيشان في شقة في باريس. ولكن ما الذي جعل لوحة "بنات أدوارد بويت" جذابة وغامضة؟ 

تقول الصحيفة إنَّ السبب الرئيس وراء ذلك هو أنَّ اللوحة تمثل بورتريه أسريَّاً والسبب الآخر هو الفضاء أو المساحة الفارغة في اللوحة. تمثل اللوحة أربع فتيات صغيرات هُنَّ بنات أدوارد بويت في شقة الأسرة. اللوحة معروضة الآن في جناح الفن الجديد في متحف الفنون الجميلة في بوسطن. في البداية تمَّ تفسير اللوحة على أنَّها مجرد لوحة تمثل أربع فتيات يلعبن. ولكن تمَّ النظر إليها لاحقاً بصورة تجريديَّة تعكس الاهتمام الكبير بغموض اللوحة.

تتميّز اللوحة بأنَّها ذات شكل هندسي ومساحات عميقة وعريضة. يدور موضوع اللوحة عن الطفولة بقدر كونها مثالاً على فنِّ البورتريه. وقد عمل الرسام على ترتيب الأطفال في اللوحة بحيث تجلس الصغرى (جوليا) على الأرض، وتقف ماري (ثماني سنوات) الى يسار اللوحة بينما تقف الكبرى (جين)، 12 عاماً، وفلورنسا، 14 عاماً، في الخلفيَّة ويحجبها الظل بصورة جزئيَّة. وعمل الفنان أيضا على إخفاء وجه إحدى الفتيات.

وقد أطلق الكاتب هنري جيمس، أحد أصدقاء الرسام سارجنت، على هذه اللوحة عنوان "أربعة أطفال في صالة" بينما أسماها أحد النقاد المعاصرين بـ "أربع زوايا وفراغ".

كان أدوارد بويت (نيد) رسام ألوان مائيَّة موهوباً وكان والده ثريَّاً. تزوّج أدوارد في 1864 ليستقرَّ مع زوجته في باريس. وبدأ خلال فترة تواجده في باريس بالتركيز على عمله في مجال الفن بينما كانت زوجته 

تعمل على رعاية بناتها الأربع.

عمل الرسَّام جون سارجنت على تركيز الضوء من الجهة اليسرى من اللوحة ليصبح تركيز الضوء أقل في الجهة اليمنى. ترتدي الفتيات الأربع مأزرا أبيضا من دون أكمام. وتتميز اللوحة بأن ثلاثة من الفتيات ينظرن إلى المشاهد (الرسام) بصورة مباشرة وهذا متوقع لأنَّ الفتيات تقف لغرض رسم اللوحة، لكن فلورنسا تنظر الى فراغ مظلم وتقف على مقربة من شقيقتها وتتكئ على مزهريَّة من صنع ياباني. لكن محاولة أن تتخيل الصورة من دون فلورنسا هو كما أن تتخيل كلمة من دون حرف.

يقول كاتب المقال: ماذا يعني الغموض في هذه اللوحة؟. يشير الكاتب الى أنَّ الناس بدؤوا بتقديم عدد من النظريات لتوضيح الغموض. يقول الكاتب، سألت أمينة متحف الفنون الجميلة وصاحبة كتاب "بنات سارجنت: سيرة لوحة" أيريكا هيرشلر "ما الذي يحدث حسب اعتقادك في هذه الصورة؟" أجابت أنّها تشعر أنَّ اللوحة تبدو وكأنَّ الفتيات تمت مقاطعتهن قبل البدء بلعب لعبة خدعة. أعتقد، تقول هيرشلر، أنّ اللوحة تبدو وكأنَّ الرسام نفسه كان يلعب لعبة من خلال تقديم لغز يستوجب الحل. وهذا اللغز هو كيف تعمل على رسم اللون الأبيض من خلال أنواع مختلفة من الضوء. 

قد لا تكون اللوحة لغزاً يحتاج الى حل، لكنها تثير شعوراً قويَّاً يتعلق بالطفولة، المساحات الفارغة والعزلة.

يعدُّ الرسام سارجنت أحد روّاد فنِّ البورترية في وقته ورسم المئات من اللوحات الزيتيَّة والمائيَّة. ولد سارجنت في فلورنسا لأبوين أميركيين. تلقى تدريبه في باريس وعاش حياته في لندن وعدد من الدول الأوروبية. ظهرت مهاراته الفنيَّة وهو في سنٍّ مبكرة، إذ بدأ الرسم وهو في سنِّ الثالثة عشرة. في سنِّ الثالثة والعشرين تلقى عدة عروض للعمل لتنطلق مسيرته الفنيَّة وأظهر قدرته على الرسم بثبات في السنوات اللاحقة التي جعلت منه فناناً بارزاً ومشهوراً بين رسامي البورتريه.

شارك سارجنت في تأسيس العديد من معارض الفنون في مدينة نيويورك، كما شارك في العديد من هذه المعارض. وقد أقيمت معارض تذكاريّة لهذا الرسام في بوسطن في متحف المتروبوليتان للفنون، الأكاديمية الملكية، ومعرض تيت في لندن.

صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية