الجسد والريشة وفضاءات الجمال

ثقافة 2023/01/25
...

ضحى عبدالرؤوف المل 

يبرز القاسم المشترك بين المكان والزمان عندما يصبح اللون هو جزء من المدة التي تمتد لتنكشف الحركة تلقائياً،  وكأن الريشة هي المادة الحقيقية للرقص،  كما الجسد الذي يتقن  فن الحركة التعبيرية المتأصل في الامتداد عبر فضاءات تترجم الأشكال كلها ، كما هي الحال في خطوات الفنانة "جورجيت جبارة"  وريشة الفنان العراقي" جبر علوان"  وصولاً إلى الكثير من اللوحات التعبيرية التي جمعت بين الرقص والرسم ، وحتى خطوات الرقص الأخرى عند بعض الذين أتقنوا الرقص التعبيري تحديداً والبعيد جداً عن الإسفاف أو الرقص المعتمد على هز الأرداف من دون التعبير الذي يهدف إلى إثراء كل صيغة مادية من حيث اللون أو حركة الريشة أو حتى الجسد، فالتحولات في المفردات التشكيلية عند بناء اللوحة تولدها القدرة على الحركة،  وقدرة الفنان على ربط الخطوط بالحركة وترجمة الإحساس وفق الإبعاد الأخرى .

فهل من تكامل حسي بينهما أم هي الأبعاد النفسية التي تجعلنا نلتمس الفعل التعبيري للرقص والرسم أو الأحرى خطوات الجسد والريشة وما بينهما من أبعاد ترتسم في فضاءات الجمال ؟

وهل من إزدواجية فنية تلعب دورها عند إبراز مقامات الإيقاع بين خطوة الجسد وخطوة الريشة ؟

أم هي مؤشر لحركة تعبيرية تحتلف ترجمتها من فرد لآخر؟ 

لا أعرف حقيقة لماذا جعلتني خطوات الفنانة "جورجيت جبارة"  أتجه نحو لوحات الفنان "جبر علوان"  ولوحات الفنان "محمد عزيزة " والفنانة "رويدا الرافعي" ولوحات الخطاط "حسن المسعودي"  والحساسية البصرية عند المتلقي للفن التعبيري بشكل عام.

فالحوارات التعبيرية بين اللوحة الراقصة وخطوات الراقص هي لمسة البعد التعبيري المترجم للإحساس الذي يتشكل من خلال  المادة على القماش أو من خلال الخطوة على المسرح أو على بقعة الرؤية وهي الحركة عند الفنانة "جورجيت جبارة"  كمثل عن القاسم المشترك بين الرقص والرسم والتعبير عن فن الحركة.

بمعنى آخر عندما أتأمل رقص الفنانة "جورجيت جبارة"  على وقع قصيدة ما دون موسيقى وهو الحوار الحركي مع اللفظي،  بما أن الرقص هو الحوار البصري غير اللفظي إلا أنها عند رقصها على نغمات كلمات القصائد قدمت نوعاً من الجمع بين اللفظي وغير اللفظي في رقص تعبيري يميل الى خلق تحفيزات من شأنها أن تتكامل مع ايقاعات الكلمات والجسد  وفروقاتها الحسية والمادية،  وبالتالي رصد الأصداء البصرية المرتبطة بذلك من خلال الخيال المفتوح نحو الفضاءات التي تفتحها نحو الامتدادات كما هي الحال مع الفنان "حسن المسعودي" والفنان "جبر علوان"  للكشف عن التفرد بين الحركة وأثارها بين الصوت والإيقاع.

فهل من مقدرة بين جسد "جورجيت جبارة " وتعبيراتها المشتركة مع ريشة الفنان حسن المسعودي والفنان جبر علوان ؟أم أن ألوان الفنان وجيه نخلة هي حركة تحمل ايقاعات مختلفة استطاعت إمساكها جورجيت جبارة بخطوات أبرزها رقصها على نغمات قصيدة ما قدمتها  بفروقات دقيقة بين الحرف والحرف ؟ 

تبني الحركة بين الريشة الفنية وخطوات الرقص الحقيقية نوعا من التعبير الخفي عن الوجود الحسي المرتبط بالآخر لبناء علاقات مألوفة ومتآلفة.

بل ومتناسقة رغم التناقضات بين الجسد والمساحة والإيقاع،  وهي حقيقة لست أبالغ فيها إن قلت إن "جورجيت جبارة"  استطاعت إدراكها كما "جبر علوان" و"حسن المسعودي"  لخلق عدة أنواع من التواصل مع الآخرين من خلال الخطوات،  وعبر عدة مقامات مختلفة إن من حيث اللون أو امتداد الخطوة ، وهنا أقول: لو حاولنا تصوير الفنانة "جورجيت جبارة " عند كل خطوة سنجد أنها ترسم من خلال قدرتها على لمس الخيال والعاطفة معاً التي تثيرها سمعياً للترجم كل ذلك بخطوة ذات براعة تهدف إلى خلق ميزة حسية قبل أن تكون بصرية.

لا أنكر أن هناك العديد من الراقصين المتميزين في هذا النوع من الحركة التي ترسم من خلالها أصداء الحس أو الإحساس بما هو موجود حولنا من ماء ونار وهواء وتراب ، وتحفيزات تختلف في التكوين وصفات الحركة، فالحواس تستيقظ عند جمع ريشة "حسن المسعودي" مع خطوات" جورجيت جبارة"  والتحررالتعبيري يندمج بين ريشة جبر علوان  المصحوبة بموسيقى اللون وتلقائية المدى المفتوح الذي يتركه لخلق الإحساس بالمادة أكثر أو الأحرى السماح لليد والعين بالتحرر معاً من سلطة الوعي من دون الانفلات منه بمعنى ترجمة كل ذلك من خلال التعبير عن الأثر المرئي للإيقاع واللحن أن يسكن الجسد.

ليترجم بفن خلّاق ما يشعر به المرء عند رؤية خطوات الراقصة التعبيرية جورجيت جبارة أو خطوات ريشة حسن المسعودي.

فهل يمكن اختصار الحركة بمفردات تعبيرية هي تعبير عن الجمال بالرقص؟