إرادة الجيل الستيني وخطاب الفن

ثقافة 2023/01/25
...

خضير الزيدي

كل من تعمق في دراسة تاريخ الفن العراقي المعاصر ،سيتوقف عند أهمية الجيل الستيني، لأسباب كثيرة.

فلن تخذله الحقائق في بيان معرفة أهم المدارس التي اكتسبوها، ولا تأخذه  أسئلة الأصول والجذور التاريخية بعيداً عن العمق التاريخي لأرض الرافدين وميراث الإبداع الإنساني الذي جاور معرفتهم وبيّن رواسبهم الروحية. 

إذن نحن أمام سيل من الوقائع إذا أردنا أن نضع أهمية الجيل الستيني في الفن العراقي ولكن التساؤل المطروح هل هناك ما يبرر مرجعياتهم الغربية في الغالب من رسوماتهم وأعمالهم النحتية ؟

وهل تأسست بداية المشوار الفني العراقي على أيديهم فكان فتحاً جمالياً وأسلوبياً مميزاً أضاء الدرب لمن لحق بهم ؟

وماذا عن البيانات والجماعات الفنية هل حققت تصوراً أضاف تنوعاً من معرفة الفن وطرائقه ؟

من توقف معرفياً أمام أساليب ذلك الجيل سيرى أنه مشغوف بعوامل متنوعة كالحداثة والتجريب والاعتزاز بالتراث وهوية  الموروث الشعبي وقدم نتائج مهمة حيال كل تلك المرتكزات منذ بدايات جواد سليم حتى آخر فنان من الجيل الستيني (لم يزل حياً في العراق) إنه هوس له مبررات كثيرة أولها فهم معنى الحداثة وعدم الاختلاط بين فن حقيقي وفن هجين مع وجود تصورات ذهنية ومعرفية عن كيفية اجتراح فن له قواعد وأسس تحيط به موجة من الخيال والتأمل وتعدد القراءة، من هنا يمكن القول إن الجيل الستيني مثل هاجس التمرد من أجل إحياء الفن وحالفه الحظ في بروز كل ذلك عبر عوامل سياسية يومها مما جعله يوظف الإشارات القابلة للقراءة والتأويل أولاً ومثّل الغالب منهم توجهاً آيدلوجياً معيناً مما جعل نزعة خطاب فنهم تمتثل لإرادة الجماهير وهي بحاجة لفن يحاكي المصير والوجدان ،كل هذه الأسباب كانت كفيلة بصناعة فن يكشف لنا عن نزعته الشكلية ليأخذ أجواء من الارتقاء بالمحيط العربي أضف إلى ذلك أن نجاح التجربة تعزز بخطاب الحداثة الغربية من خلال الأساليب الفنية فهي عدت تحولاً يتواصل مع الموروث ولا ينقطع عنه طالما هناك عقل نيِّر يقرأ ويحس ويرى إبداعاً ذا قيمة صنعه الآخر فلا غرابة أن يكون الفنان العراقي متعلماً ومتواصلاً ومتأثراً مع الفنان الغربي مع وجود قلق يحيطه جرَّاء فكرة النجاح في الفن مع خطاب الثورات والانقلابات السياسية يومها، وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الحاجة كانت ملحَّة يومها لإنجاز فن يتخطى ما كان يمتلكه من بساطة في التعامل الأسلوبي للفن الواقعي فجاءت الجرأة مع تهيئة ظروف التغيير لخلخة إطار الفن البسيط وصعود موجة جيل يكشف لنا عن إنجازات فنية لم تزل خالدة ليومنا هذا إنها الإرادة  وفكرة التجديد وليس السباق للوصول للمركز 

الأول .

باعث الهوية والتراث كان قائماً في فكرة ذلك الجيل حتى مع أهم البيانات التي صدرت حينها من قبل الجماعات الفنية هناك إصرار على وجود فن تكتمل فيه إشارة الفن العراقي القديم والمعاصر مع تجديد في خطاب الرؤية الفنية وهي دعوة ليست للخروج إنما للعناية والعودة للأصول لكن مع شرارة ووهج تحديث من نوع معين يضفي أشكالاً ومواضيع توصف بالجمال وليس بالانطباع ،نعم كان السياق الفني والإدراك حقيقة لأهم تيّارات الجيل الستيني في قواعد الرسم إنه خطاب لم تتعال عليه إلا القيمة الثقافية فهو قابل ليكون فناً ذا إزاحة وتحوّل وبؤرة للانبثاق التي تتوزع فيه أساليب متفرِّدة تعلوها قيمة جمالية وشكلية وطرائق متفردة لهذا سيجد قارئ الجيل الستيني أن لكل فنان منهم أسلوباً متفرداً وذائقة تتمتع بالفهم السليم لمعرفة الأسلوب الفني سواء جاء ذلك عبر الرسم وقواعده أو النحت وأسلوبه وما يتكرَّس فيه من مؤثرات بصرية وخيالات مؤثرة .

لنقل إنه جيل فهم الحداثة ووقف في منتصف التراث والفنون العريقة فتحققت على يديه فتوحات لم تعق مجراها في تلك اللحظة أية عادات سيئة أو قراءة ملوَّثة اقتضت الضرورة وقتها أن ينجز فن قابل للمطاردة في المعرفة والتمتع بكل حمولاته الدلالية  فمن عاين تجارب النحت والرسم والخزف ستضجّ مخيلته بمنجز عميق وذي صلة وثيقة بأمرين مهمين (الحداثة والتراث) إنه بحق فن لم يستهلك ويمكننا القول إنه مثَّل مجتمعاً مدنياً واجه التيه والصراع معاً وحافظ على نسيج فني تتصاهر فيه المواقف وتتنوع التجارب  وتتعاظم فيه 

المسؤولية