الفنان التشكيلي محمد هدلا: الرسم العفوي يخلِّصني من ضغوط الصورة الواقعية

ثقافة 2023/01/25
...

حاورته: هويدا محمد مصطفى

حين نتأمل لوحاته سرعان ما نجد العناصر التعبيرية بحساسياتها المتنوعة وبأنوارها وأضوائها توحي بتداخل إيقاعات الألوان المتوسطية وماتمنحه ألوان مدينته ومراكبها ومنازلها وجدرانها القديمة من تأثيرات بصرية تترك أثرها الواضح في لوحاته التي تتنوع مابين المناظر البحرية ومشاهد المرأة التي أخذها في أعماله شكل الحلم الأنثوي الجذّاب فهو عفوي وصريح هدفه الانفلات في التعبير عن ذاته وحالاته الانفعالية المتبدّلة والمتقلّبة ومنذ بداياته كان /محمد هدلا/يؤمن بضرورة أن تعكس لوحات الفنان العربي بيئته وروح حضارته العريقة ،وأن تحمل المفاهيم الجمالية والقيم التشكيلية ومن خلال هذا الحوار سنتعرف على الفنان التشكيلي محمد هدلا

    تعتمد في لوحاتك موضوع البحر وطرطوس وتنفذها بالواقعية الحديثة ماذا أضفت في تجربتك ؟

الخاص في تجربتي أنني استخدمت الرمل البحري في تأسيس اللوحة وهي التقنية التي تعطي تجربتي خصوصية مميزة وتجعل أعمالي أكثر ارتباطاً بالموضوع الذي أعالجه وهو جمالية طرطوس القديمة المبنية بالحجر الرملي .

*    من المعروف أنك تجيد التعامل مع اللون وتمتلك القدرة على صناعته.

هل للبيئة أثر في ذلك؟

عندما يعيش الفنان في بيئة جمالية تتميز بسلسلة لونية متناغمة لامثيل لها في مكان آخر حيث الفصول الأربعة وألوان البحر التي تتبدل بين لحظة وأخرى .

والألق الضوئي الذي يمد هذه السلسلة اللونية بالمزيد من الغنى اللوني.

فلا بد أن تتغلغل هذه الإيقاعات اللونية داخل أحاسيسه ومن ثم تظهر في أعماله الفنية حيث تخضع لأسلوبه الخاص ومفهومه الجمالي.

* من الذاكرة أم من الواقع.

يأتي فهم العلاقة مع اللوحة وماالرابط بينهما؟

ـ يجب أن لايكون العمل الفني مرآة باردة فيعكس عليها الواقع ولاشبكة من المغناطيس تلتقط مامرَّ بالذاكرة من أحداث أو مشاهد.

إنما الأفضل أن يكون مزيجاً متوازناً بينهما إذ أن كلاً منهما يغذي الآخر فالواقع عندما يكون جميلاً وساحراً والذاكرة عندما تكون مشحونة بمشاهد وذكريات خصبة وخاصة من مرحلة الطفولة مضافاً إليها انفعالات الفنان ووجدانه العاطفي ومفهومه الجمالي. 

عندها يأتي العمل الفني في أعلى مستوياته الإبداعية.

* هل هناك مصارحة بين لوحتك والمتلقي .

أم أن عملك ينطلق ضمن دائرة التساؤلات؟

هناك علاقة بين أضلاع المثلث الفني (الفنان ,اللوحة, المتلقي)ولكي تأخذ هذه العلاقة إطارها الصحيح يجب أن تكون أطرافها متكافئة فالفنان عليه أن يتمتع بالأصالة والمرونة والثقافة الفنية العميقة وأن يتعرف بدقة إمكانياته الفكرية والتشكيلية وأن يعي عملية البدء وعملية التوقف فليس هناك عملية إبداع في حالة غيبوبة .

أما اللوحة فهي ليست مرآة تعكس الواقع الذي يعيشه الفنان ولاهي بالشاشة التي تنطبع عليها أحاسيس الفنان الداخلية إنما هي مزيج من الأثنين معاً .

هي حلم وفكر وهناك دور المتلقي الذي يجب أن يكون متمتعاً بالثقافة التشكيلية الجيدة والحس الجمالي الرهيف .

* ماالمطلوب من الفنان؟

ليس المطلوب من الفنان أن يجترح لنا بفنه ،معجزة اصطياد سحابة ما أو تلوينها أو وضعها في راحته وليس المطلوب منه أيضاً أن يغير بفنه المجتمع ،فالتغيير المباشر ليس من شأن الفنان سواء كان فناناً تشكيلياً أو موسيقياً أو أديباً، لكن يؤمل منه أن يرقى بذائقة الإنسان إلى أعلى ،وأن ينمِّي فيه حاسة التذوق لما هو إبداع وهذا التذوق يمنح المتذوق المتعة والمعرفة ،وهما المنشودتان في الفن، وهما اللتان تجعلان الفنان صاحب رسالة تغذي روح الآخر.

*  كيف يكون تكريم الفنان؟

ليس من شك في أن تكريم الفنان ،هو اعتراف ضمني بقيمة إبداعه الفني، لأن الفن في تقدمه، في روعته ، يتخطى كل حدود ويذهب في مداه إلى أبعد من مسافة الرؤية ،كشفق في تخوم الأفق والأهم في عملية التكريم أن تتم خلال حياته .

* ماهي القيمة الجمالية والمعرفية والتغييرية للفن؟

أن تقول (الفن)فكأننا نقول الوجود، كذلك نختصر، في تكثيف شديد كوننا هذا الذي يتسامى أبعد من التخيل أو الإدراك ،ويتعالى بأرفع من الفضاء ،على رحابة المدى وهما،وشاهق المجرات خيالاً يبلغهما طيفاً مجنحاً له من أسطورة بساط الريح حقيقة ومجازاً مايجعله يحلم ،وله من هذا الحلم طاقة تمثل هذه الأسطورة في تلك القدرة الخلّاقة التي هي الإبداع يحملنا جناحان عبر المسافات ولا مسافات بل انخطاف الروح في ومضة التأمل التي تنداح إلى ما لانهاية .

إن هذا لهو الفن وهذه عظمته يقدم الرؤية والجمال والمعرفة بلغة تشكيلية أكثر من ذلك إن الفن الذي يعكس العلم والفلسفة المعاصرين يقدمهما بلغة تشكيلية أيضاً وهذا هو السبب الرئيس في أن التشكيل قد غدا في أيامنا هذه موضع هذا التقدير المتعاظم، لا في التذوُّق وحده ولابما هو تزيينات جدارية في صالون النخبة والأثرياء إنما في هذا الدور التأثيري الفعال الذي يمارسه في العقول ليصبح أحد عوامل التغيير الذي يقوم على مهاد من التنوير والتثوير في الأحداث الجارية والمقبلة لعالمنا .

* في أغلب لوحاتك تتناول المرأة .

ما اللغة التي تريد إيصالها للمتلقي؟

أحاول دائماً إعطاء المرأة المكانة الأسمى التي تستحقها، فهي رمز وأنوثة تتدفق بالدفء والحياة ومنذ العصور القديمة كانت محرضاً للشعراء وملهمة للفنانين ،وكانت أنشودة للتاريخ فمنذ الأزل إلى اليوم كانت شريكة الرجل وسفيرته في الحياة فهي أحد عناوين الحرارة البارزة ،وإطلاق رؤى الخيال في خطوات استعادته لرموز المرأة والبحر متمكناً من ابتكار نسيج بصري خاص يتخطى الرؤية التقليدية فاللوحة مرآة لميلوديا الداخل كما أنها محاولة لتوثيق الصلة بين الداخل والخارج فهو لايتوقف عند تفاصيل الأشكال المتخيلة وإنما يتجاوزها بلمسات سريعة وعفوية وتلقائية أشبه بالايقاع الداخلي المثبت بألوان عفوية على سطح اللوحة أو على وتيرة الألوان الكثيفة المتراكمة فوق بعضها البعض