قراءةٌ في {أقنعة} صلاح هادي بشن

ثقافة 2023/01/25
...

 زهير الجبوري 

 

مؤخراً، أقام الفنان التشكيلي صلاح هادي بشن معرضه الشخصي السادس (أقنعة) في قاعة (ود) للثقافة والفنون وسط مدينة الحلة، ولعل تجربة هذا الفنان التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود اتضحت بشكل ملفت للنظر من خلال إصراره وتواصله في تقديم لوحاته بالمعاصرة التي تلامس ما هو جديد في عالم الفن التشكيلي الحديث، على الرغم من اشتغاله في العديد من الموضوعات المتنوعة في هذا المجال، إلّا أنَّ موضوعة التجريد والغور في هذا الشأن، أعطت دلائل جديدة ومبتكرة في لوحاته التي قدمها في معارض عديدة، ومنها معرضه الشخصي الحالي (أقنعة)، حيث المهارة الأدائيَّة في كل لوحة انطوت على قصديَّة 

واضحة.

أحسب أنَّها لامست العقل من خلال تأويلنا لها، ولم تكن مجرد فضاءات للّعب بالألوان والضربات السريعة فحسب، إنما تشتغل على مضمون دقيق، فالقناع الذي قصده الفنان نتلمسه في الأشكال التي تخبئ مضموناً كبيراً لمعنى واسع جداً، وهنا لا بدَّ من وقفات حسَّاسة في النظر إلى كل لوحة في المعرض على أنَّها قضية لها جذورها وانعطافاتها الموضوعيَّة الملامسة لذات كلِّ واحد منا.

في المعرض الشخصي (أقنعة)، شاهدنا أعمالا قدمت نفسها بشكل معبر لعلامات نحسبها واضحة للوهلة الأولى للشكل الآدمي (المرأة)، وبعض الحيوانات (القطط/ السمك/ اللقلق)، والدمى، وموائد الطعام، وغيرها من الأشكال الأخرى الجامدة، غير أنّها أفاضت جدلاً كبيراً لحالات التوهّج للاحتدام والتصادم والشدّ، هنا تكمن حقيقة القناع الذي أطر كلَّ ذلك، وصلاح هادي بشن نجح في خلق ثنائيَّة غاية الدقة، هي (المضمون) و (اللّعب بالألوان)، لذا ندرك أهمية اشتغاله على درجة عالية من التفكير بكل مكونات اللوحة، ويحسب له ـ أي الفنان ـ أنَّه خلق جدلاً واضحاً لمكونات لوحاته. 

وفي نقاش سريع معه في قاعة العرض أوضح قائلا: (ليست الغاية أن نكرر موضوعات التجريد، أو طريقة اشتغال الألوان بقدر ما نزيح بعض الثوابت، ونضيف أخرى للوصول أشياء جديدة، وهنا كان موضوع الأقنعة)، وهنا بالذات أدركت فلسفة اشتغاله في هكذا لوحات تشكيليَّة.

إنَّنا ندرك مدى اندفاع الفنان في تناول موضوعات تلامس الإنسان في حالاته الاجتماعيَّة والذاتيَّة والتي تمثلت برسم لوحات بانت على السطح بوصفها سلوكيات إنسانيَّة، كالمرأة المكبلة بالقيود، والأخرى بنصف الجسد، وغيرهما الواقفة بجوار شخوص، وما إلى ذلك. 

في الحقيقة هو بوح اجتماعي، لا بدَّ من فهمه بطريقة تعكس أهمية الواقع وتأثيراته على الجميع، وهو شيءٌ يحسب للفنان أنه تعامل بثقافة المحيط بأسلوب تشكيلي معاصر، ربما هي نقلة جديدة له حين نقيس اشتغالاته السابقة.

ولعلّني مطلع على تجربته التشكيليَّة في العقدين الأخيرين، وأدرك أهمية ما يرسم وما يقدم من لوحات فيها ثيمات مضافة لتجربته، وقد يكون هذا النضج له أسبابه التكوينيَّة لدى الفنان وأهمها دراسته الأكاديميَّة وحصوله على (الدكتوراه في الفن التشكيلي)، لتكون رسوماته فيها تكوين مهاري وفكري  معاً.

الفنان التشكيلي صلاح هادي بشن، أفاض لنفسه أهمية ما يقدمه من أعمال فنيَّة في معرضه الأخير (أقنعة)، فكانت تجربته محسوبة وجريئة، وقد ننتظر منه تجربة أخرى فيها ابتكاراته الخاصة، وليس غريباً عليه، فهو من جيل يقرأ ويتابع وينتج، فضلا عن احتكاكهم بأسماء فنيَّة كبيرة، ما يجعل كل واحد منهم أكثر نضجاً.