شوشا.. تاريخ وبطولات

ثقافة 2023/01/28
...

 د.شيخ علي علييف

 

الرحلة فن من الفنون الأدبية حظي بالشهرة وكتب فيه أدباء الأمم وعلماؤها في التاريخ القديم والحديث تصانيف كثيرة نالت القبول من لدن القراء ومتذوقي الأدب ومحبي الوصف وذاعت بينهم لما تصوره من أحوال الرحالين وأحوال البلدان التي زاروها ولما تجسمه من مشاهد الطبيعة من جبال ووهاد ونجاد وسهول وبحار وصحارى وأنواء ومظاهر عمران وتجليات الحضارات وأيضا لما تجلوه من أوصاف الناس وعوائدهم وثقافاتهم، ويبدو أن هذا التحديد هو أقرب لأدب الرحلات لكونه يعرض لجل التفاصيل التي احتوت عليها الرحلات.

يروي لنا الكاتب الدكتور معتز محي عبد الحميد في هذا كتابه "شوشا جوهرة أذربيجان" فصولًا من عَبَق تاريخ مدينة شوشا، ومجدها التالد الذي زُيِّنت به صفحات التاريخ، حيث كانت فيه قِبلة الجمال التي يحج إليها فؤاد المحبين، وذلك لما اتسمت به هذه المدينة من طبيعة ساحرة، وجمال عمراني، وثراءٍ شعري صوَّر آيات حسنها عَبْر ألفاظ من غزل الكلمات. كما يتحدَّث الكاتب في هذا المؤلَّف عن الأهمية التاريخيّة والعمرانيّة والفنيّة التي لعبتها شوشا قبل وبعد التحرير على مدار تاريخ التجارة القائمة بين الشرق والغرب، وما أُثِرَ عن أهلها من عادات وتقاليد وفنون أضحت فيها شوشا جوهرة اذربيجان جوهر الجمال المكنون، فهو كتاب جامع لكل صنوف جمال شوشا تاريخيًّا، واجتماعيًّا، وطبوغرافيًّا، ومن خلال صفحات الكتاب أيضا نتعرف عن اذربيجان ومدينة شوشا التي زارها مرتين بعد تحريرها من المغتصب الأرمني، وتعرف من تجربته على هذا البلد الجميل بمعالمه السياحيّة وأماكنه العابقة بالتاريخ، الزاخرة بالتراث والأصالة، ولن تمر الأحداث من دون الاستمتاع ومعرفة الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد فيها، وعلاقات الأسرة الواحدة مع بعضها البعض ومدى قوة الارتباط التي تجمع الأسرة بالأقارب والجيران والزائرين. كما ينقلنا الكتاب معا للتعرف على أسماء الشوارع والقصبات وأهم المساجد والينابيع وتاريخها. ثم ننتقل معا من الفرح إلى الوجع، حيث الحرب التي اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا التي دمرت الأخيرة كل معالم المدينة، وحيث الحياة الحالكة التي توزعت بين القتل وتحطيم الرموز الثقافية، وحيث صفارات الإنذار وقنابل الموت.

هذا الكتاب أيضا يؤرخ لفترة الاحتلال الأرمني لهذه المدينة، ويكشف بعض الأخطاء التي وقع فيها بعض من أرّخ لهذه الفترة.

كما يميط اللثام عن بطولات الفنانين والمثقفين والعلماء والمخلصين من الشعب الاذربيجاني لمواجهة ذاك الغزو الآثم.

الكتاب ذو لغة سردية ساحرة، وأسلوب تشويقي لا يمل معه القارئ في رحلته مع التفاصيل التي اجتهد الكاتب في تتبعها، والجهد المبذول فيه واضح خلال صفحاته.

والجدير بالذكر أن الباحث الدكتور معتز محي عبد الحميد كان حريصا في كتابه على التمييز بين سياحته ورحلات الآخرين، وهو ما يتبدى في قوله: "لا بد هنا من التنويه بأنني لست رحالة سافرت بغرض التجول وتسجيل العادات والتقاليد أو وصف الطبيعة والتلذذ بالهواء الطلق وبرمال الصحراء الذهبية! ولكنني كتبت عن هذه المدينة بعيون مفتوحة ومشاعر ودية ونظرة موضوعية وأحيانا نقدية، ومن ثمة ركزت على الجوهر لا على السطح، كما عنيت بمواقف معينة من دون أن أوغل في التفاصيل التي يهتم بها الرحالة في غالب الأحيان، ومنها المعلومات التاريخية والجغرافية وما شابه ذلك، أقول إنني قد أبديت اهتمامي بقضايا ربما تهم القارئ عندنا، وقد يجد إجابات عن أسئلة تخطر بذهنه وهو يقرأ هذا الكتاب الذي صدر حديثا من مطبعة غسان للطباعة والنشر في بغداد.