سونيا بيروتي.. نجمة بشعر قصير

ثقافة 2023/02/01
...

يقظان التقي

احدى نجمات الزمن الجميل ، سونيا بيروتي ، طوت صفحة عمرها الأخيرة منذ ايام عن عمر ناهز 89 عاما . امرأة مميزة في مسارها ، رفقت حياة اللبنانيين في عقد السبعينات ، مع ازدهار الفنون والثقافات والتلفزة . بنت السادسة عشرة انخرطت باكرا في مهنة المتاعب ، بطلّتها الخاصة ، بأسلوبها الخاص ، من الإذاعة ، الى الصحافة ، التلفزيون ، ثم  عودة الى الصحافة . وفي كل المراحل رافقتها أناقتها ، شعرها الصبياني القصير، من غرفة الصحافة ، الى البلاتو ، ظاهرة اعلامية استثنائية في الزمن الاجتماعي المغلق  .
على امتداد 50 عاما ، عبرت سونيا بيروتي بروحها الفنية ، مارست مهنتها ، بشغف ، وبكثير من الصمت ، والتواضع ، واكتسبت شهرة عالية مع المخرج سيمون اسمر ، منتج المواهب الفنية الموسيقية والغنائية ، فصار برنامج “استديو الفن “ ، عائلتها الكبرى لدورات متتالية .

امرأة بالغة الحساسية ، شغوفة بالقراءة الى الاقصى ، بالنجاح وعبره ، ما  يتعلق بنجومية قوية جدا ، وبانطباعات رائعة في زمن انتج مواهب خبيئة   قدمتها لعقد ين  قبل الحرب وبعدها ، نجوم لها اليوم جمهورها العربي الواسع . تحول “ استديو الفن “  الى عالمها العائلي ، وهي بدرجة سكرتاريا النجاح لكثيرين . تمتلك صوتا بها  خاصا ،  ذائقة اذاعية ، خافتا ، تتحرك رقيقة  حتى الكسر ، مثل الهواء ، تحولت حياتها في سنواتها الأخيرة الى أغنية صامتة ، لم يعد يذكرها الجمهور الشاب  كثيرا ، والشاشة لا تبحث عن ذاكرتها ، تخون الصورة من يغادرها  سريعا . بيروتي  كانت نجمة الزمن الجميل .بيروتية شاملة . 

لذلك لم يأت موتها مفاجئا ، لا احد يتذكر الوجه الذي أحبه الجمهور ، ولا الوقت المتكسّر في  تذكرها ، من كبيرات المهنة ، قيمة اعلامية مميزة ، شجاعة ، متجرئة على التقاليد ، والتابوت الاجتماعية والطائفية . قبلت التحدي بروح التمرد ، والحرية ، والاستقلالية .  وهي الى ذلك  ذات حضور لطيف . لكنها ليست سهلة ،  وفيها الجانب المجرح الذي لا يخلو من جاذبية ، تجسد حلمها بسيمون  دو بفرار بحدود ما ، ولو كحالة قراءة  ، في دور امرأة المجتمع الثورية .  اشتغلت على جبهات وسائل الاعلام التقليدية  كافة ، تلتقط الجانب الأنثوي في كتاباتها ، نظراتها ، طريقتها في التدخين ،السيجارة وما وراء السيجارة ، والدخان ، واي دخان تجنبا القلق . المسالة تتعلق بأيقونة اعلامية هشة ، تقدمت في مواقع مهمة وغابت أخيرا خلف الأضواء . كأنها كانت بحاجة الى مخرج كسيمون اسمر في دور كانت ترغب به كثيرا ،لتبرز طاقتها الايجابية .  ابنة الاشرفية  برجوازية عتيقة  ، في أماكن تكون فيها الحياة أعمق ، ما هو ذاكرة ، وموقف عند نجمة ، ما عادت تكترث بالآراء والصور ، التي  تصدمها.ترسم تهكميتها على السياسة والطائفية في لبنان ، بابتسامة ساخرة ، عنوانا للامبالاة  الحداثية في النظرة الآ أوضاع رتيبة ، تكرارات بيروقراطية .  كلاسيكية  تنحدر من زمنها الذهبي ،  وجهها بلا تبرج ، عيناها اللامعتان ، ابتسامتها ، روحها المشعة . صوتها تحت الهمس .

دخلت سونيا  بيروتي معهد العلوم الشرقية في جامعة القديس يوسف وخرجت باختصاص حضارات شرقية .وعندما اختارت بيروتي العمل الصحافي، سلكت درب الصحافة النسائية التي عالجت عبرها قضايا اجتماعية وفنية وسياسية. وتنقلت في “دار الصياد” بين مجلات ومطبوعات عديدة، بينها جريدة “الأنوار” و”مجلة الصياد”، وعالجت العديد من المواضيع، مسلطة الضوء على مشاكل المرأة والمواطنين عموماً، فتفاعلت مع قضاياهم، ونقلتها الى المراجع المختصة.

في العام 1962 تسلمت مسؤولية سكرتيرة التحرير في مجلة “الحسناء”، وبين العامين 1964 و1965، عملت كمحررة في قسم التحقيقات السياسية والاجتماعية في صحيفة “النهار”. ثم عادت العام 1966 إلى مجلة “الحسناء” كمديرة تحرير هذه المرة. وتسلمت رئاسة تحرير مجلة “الشرقية” بين العام 1973 والعام 1976 حين انتقلت الى صحيفة “المحرر” وعملت لمدة سنة، في مجال إجراء التحقيقات والحوارات السياسية.

بين 1986 و1990 شغلت منصب رئاسة تحرير مجلة “الأناقة” وكتبت مقالات في مجلتي “فيروز” و”الفارس” الصادرتين عن “دار الصياد”. كما شغلت منصب رئيسة تحرير مجلة “لبنان 90”، بين 1991 و1994. ومنذ العام 1999، شغلت منصب رئيسة قسم المرأة، في صحيفة “المستقبل».

والى جانب الكتابة والعمل الاعلامي، لها روايتان هما “مطاحن الطائفيّة” الذي تحدثت فيهِ عن الطائفية في لبنان بوصفها سبباً مباشراً في الحرب الأهليّة في لبنان، فضلًا عن رواية “حبال الهوا” الذي تطرقت فيه لوضع النساء عامّة والنساء اللبنانيات خاصّة من خلال قصّة 24 سيّدة عشن حياتهنّ بين سعادة وحزن وألم وفراق وتشتت. ونشرت مجموعتي قصص حملا عنوان “حبال الهواء” (1991) و”مدار اللحظة” (1995)، وكتاب شهادات مهنية بعنوان “مواعيد مع البارحة” في العام 1987. البيروتية الجميلة ، غادرت غرفتها .