التجييل في الأدب

ثقافة 2023/02/06
...

 ريسان الخزعلي


هل التجييل الأدبي توصيف تأريخي أم إبداعي ..؟

إنَّ سؤالاً كهذا قد تشاغل به مؤرخو ونقّاد الأدب والفنون الابداعية بصورة عامة، بين الرفض والتأييد. مَن يرفض التجييل يُشير إلى أنَّ الابداع لا يرتبط بالزمن، إذ إنه موجود في كل زمن. ومن يؤيده يتعلل بأن التحوّلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تحدث في زمن ٍ ما، توجد تحوّلاً إبداعياً يرتبط بها، ويرتبط كذلك بإبداع أدباء ومفكري وفنّاني ذلك الزمن. وهكذا، ما زالت المساجلات مستمرة حتى يومنا هذا. وإذا كان لكل منّا هامشه في التوضيح، يمكن القول:

لقد جرت العادة في التقديرات الجيليّة تاريخيّاً بأنَّ كل 33 سنة تُمثّل جيلاً، بمعنى أنَّ في كل قرن ثلاثة أجيال متتالية. إذن توصيف الجيلية لا يرتبط أساساً بالتصنيف الأدبي الذي يشغل الكثير من المهتمين به، تأييداً أو رفضاً. وهو توصيف (أي الجيلية) سابق زمنياً لمفهوم الجيلية الأدبية التي اتخذت من العقد الزمني محدِداً تاريخياً

لها. 

 إنَّ تسجيل الوقائع على اختلاف حالاتها لا بدَّ أن يرتبط بتواريخها. وكمثال أقرب إلى الوضوح، نقول في التعبير الإحصائي جيل (مواليد) الثلاثينيات أو الأربعينيات أو الخمسينيات...الخ. أما في التوصيفات الأدبية وهذا هو العمق الذي يبحث عنه السؤال، تم توصيف الأدباء بحقب زمنية جيلية معروفة عالميا: أدباء الحرب العالمية الأولى، أدباء الحرب العالمية الثانية، أدباء الثورة الفرنسية، أدباء ثورة اكتوبر، وغيرها. أما في الأدب العربي، ولنجعل الشعر مثالاً، فهنالك شعراء ما قبل الأسلام، شعراء العصر الإسلامي الراشدي، شعراء العصر الأموي، شعراء العصر العباسي، شعراء الفترة المظلمة، شعراء العصر الحديث.. الخ. وقد قسّم المؤرخون أولئك الشعراء تقسيماً جيلياً حسب عصورهم.

في العراق، كانت ثورة الشعر العربي الحديث قد حصلت في الأربعينيات وتصاعدت في الخمسينيات، وهكذا ارتبطت التسمية الجيلية  بهذين العقدين لكل أدباء المرحلة. كما  أنَّ ثورة 14 تموز الخالدة كانت حدّاً فاصلاً بين ذينيك العقدين وما تلاهما. وهكذا استمر التوصيف الجيلي: جيل الستينات، جيل السبعينيات، جيل الثمانينيات.. الخ. مع الملاحظة أن التسمية الجيلية هذه ارتبطت بتحولات سياسية معروفة أفرزت أدباً يتماهى أو يتاقطع أو يتعارض مع هذه التحوّلات وبأشكال وأنماط فنية

متبايتة.

إنَّ فكرة الجيلية، فكرة قائمة – كتأريخ ابداعي -  أوجدها المؤرخون وارتضاها الأدباء، كونها تضع حدوداً فاصلة بين ثقافات وأفكار وأنماط اشتغالات فنية/ جمالية والمت خالقيها. وإنَّ انكار الجيلية في الأدب وعموم الإبداع يشبه مَن ينكر يوم ميلاده. والذي ينكرها لا بدَّ أن يكون قد اصطدم بفقدان الخصوصية الابداعية التي ارتبطت بغيره من جيله، ومَن ارتضاها فله ُ فيها إمضاءً ما.