إنجاز عن إنجاز.. يفرق

الرياضة 2023/02/20
...

علي رياح

النسبة الغالبة من الأمم تتطلع دوماً إلى نهائيات المونديال، بينما لا تكتفي أمم أخرى بـ (منجز) محدود في حساباتها وطموحاتها وقدراتها وهو التأهل، إنما ترمي بأبصارها نحو المنافسة، وهنا يرد السؤال دوماً عن المدى الذي يمكن أن يذهب فيه المدرب المواطن أو الأجنبي على الطريقين!

الأرقام وهي (اللغة) التي لا تخطئ، تتحدث عن الوقائع.. منذ انطلاق المونديال في الأورغواي عام 1930، اشتركت (80) دولة في النهائيات ولمرات متفاوتة.. وبلغ مجموع المدربين الذين قادوا منتخبات في المونديال حتى نسخة قطر الأخيرة (379) مدرباً اشتركوا في مباراة واحدة على الأقل، (100) منهم قادوا منتخبات أجنبية، وينتمي (74) مدرباً من بين المئة إلى قارات غير تلك التي عملوا فيها، والأغلبية هنا تتعلق بمدربين أوروبيين عملوا مع منتخبات آسيوية وإفريقية!

وفي المونديال الأخير ظهر (9) مدربين أجانب مع منتخبات لا تمثل بلدانهم، وليس هذا هو الرقم القياسي المسجل في تاريخ المونديال، ففي مونديال ألمانيا 2006 كان العدد (14) مدرباً.. بينما كان الإسباني فيليكس سانشيز سابع مدرب أجنبي يقود منتخب الدولة المنظمة، وقد غادرت المنتخبات التي قادها مدربون أجانب في المونديال الأخير ساحة المنافسة جميعاً وكان آخرهم البرتغالي باولو بينتو مدرب منتخب كوريا الجنوبية بعد الخسارة الرباعية القاسية أمام البرازيل في ثمن النهائي!

في دراسة تحليلية أعدّها نك ميلر الكاتب في صحيفة (الغارديان) البريطانية، تأتي المعطيات على النحو التالي: (إذا أرادت دولة نامية أو من العالم الثالث – في معظم الأحيان - أن تجد موطئ قدم لها في نهائيات المونديال، فعليها أن تحزم أمرها وتسلم زمام القيادة لمدرب أجنبي مؤهل، لكن القوى العالمية الكروية الكبرى عليها أن تستعين بالمدرب المواطن إذا أرادت أن تفوز بكأس العالم، والقضية تتعلق تماماً بذلك التوازن الحاصل في التطور الكروي الشامل لهذه الدولة والأهلية الفنية لدى مدربيها المواطنين). 

كلام الكاتب البريطاني منطقي في تصوري، فنحن لا ننسى أبداً أن أقصى ما حققه المدربون (الأجانب) للمنتخبات التي عملوا معها أنهم أوصلوها مرتين فقط إلى المباراة النهائية في كل تاريخ المونديال.. السويد في مونديال 1958 مع مدربها الإنكليزي جورج راينر، وهولندا مع مدربها النمساوي ارنست هابل في مونديال 1978.

ويبقى الهولندي غوس هيدينك أكثر المدربين (الأجانب) نجاحاً في تاريخ بطولات كاس العالم.. خلال رحلة عمل لي في كوريا الجنوبية، ذهبتُ لمشاهدة مباراة محلية أقيمت في مدينة غوانغجو، وهيمنت عليّ مشاعر الدهشة لأن الكوريين غيروا اسم المكان كله ليصبح ملعب غوس هيدينك.. فلقد تمكن الرجل من قيادة كوريا إلى نصف نهائي مونديال 2002، بعد أن أوقع الهزيمة بمنتخبات البرتغال وإيطاليا وإسبانيا تباعاً، فكان جزاؤه أن حمل الملعب اسمه ومنحه الكوريون جنسيتهم في مرسوم تاريخي نادر، وخصصوا له فيلا كبيرة في المدينة، ومازالت الخطوط الجوية الكورية تمنحه تذاكر سفر مجانية له ولعائلته على مدى الحياة!