مخطوطة ابن بطوطة السريَّة وفن التشويق التاريخي

ثقافة 2023/03/15
...

ضحى عبد الرؤوف المل


يلتزم الكاتب الروائي “جاسم سلمان “ بميثاق القراءة التاريخية في “ مخطوطة ابن بطوطة السرية” الضمني بوضوح توافق مع قوانين الكتابة التاريخية أو بمعنى آخر، كبحث غير معقد سلس في معاييره الثمينة أدبياً  على الرغم من الخيال التاريخي للرواية الصادرة عن دار الرافدين، والتي تتميز بالتحايل على الأحداث الموثقة لإظهار قيمتها التاريخية من الناحيتين التاريخية والروائية من دون أن يستغني عن الحبكة المنسقة تشويقيا، ليقدمها كدراسة سردية تاريخية روائية من دون طمس للكثير من الحقائق الفعلية الأساسية التي بنى عليها ما هو متخيل، مما يثير فضول القارئ ليستكمل مسارات القراءة من دون انفصال عن الشخصية الأساسية وهو ابن بطوطة،  مما سمح بخلق فضاءات تكوينية ضمن أطر دقيقة عصرياً تمثل أيضا نوعا من التاريخ الحديث الذي يخضع لمنعطفات لا تتعلق بنقل التاريخ وإنما إسقاطات تمثل التاريخ في العمل الأدبي الذي يستحق التجديد مع ابن بطوطة تحديداً ، ونحن نعلم أن الرحالة ابن بطوطة من التاريخ الموروث بمنعطفاته الثابتة والمعروفة مع الاعتراف بأن كتابة تاريخ هذا الرحالة تتضمن استطراديا جزءا من شخصية بطل الرواية الإيديولوجي إضافة إلى عطيل، الذي يرمز اسمه إلى تراجيديات لها أكوادها الموروثة، إذ اتخذ التاريخ في مخطوطة ابن بطوطة السرية خط سير بدأ من حيث انطلق ابن بطوطة في رحلته وصولا إلى الطبيب المدمن على الكتابة والتدوين في زمن الفوضى، حيث الكل منشغل بحماية نفسه وهو ابن بطوطة في عصرنا الحاضر وحتى ربما سيكون ابن بطوطة في المستقبل فالرحلة التاريخية  هي استنطاق للزمن بمراحله القابل للتجديد وبأسلوب تعددت فيه الأوجه المشابهة لبعضها من دون الابتعاد عن أهمية البعد النصي للمعرفة التاريخية الخاضعة لتطورات المفاهيم السردية للتاريخ من حيث رحلة ابن بطوطة وانطلاقته، التي لا يمكن تمييزها التأريخي عن السرد الخيالي الممتع في هذا السِفر الذي يدعو إلى التساؤل عن البعد السردي لخطاب التاريخ في هذه الرواية التي تنوعت فيها الأزمنة والأمكنة ضمن خاصية الخيال بصحبة العجوز الذي يدفعنا إلى التفكير بالمستقبل بشكل مبطن لنتابع رحلة ابن بطوطة في كل زمان . فهل التقاطع بين التاريخ والخيال هو البنية الأساسية لتحليلات مختلفة ذات صلة بشاعرية السرد التاريخي في هذه الرواية تحديداً ؟ وهل خضع جاسم سلمان لقيود التحقق التاريخي الموثق، وهو من دمج العناصر التاريخية بين الأزمنة ؟ أو إن الرواية تمثل انفتاحا على السرد الروائي التاريخي بمعناه القديم والحديث لإبراز نقاط التشابه المختلفة ؟. 

مخطوطة نخرج منها بمواجهة بين ابن بطوطة والطبيب  وجها لوجه مع الكثير من القصص التي يمكن أن تروى منفردة لكل شخصية لديها الأحداث التاريخية التي تجمعها بنقاط مشتركة مع ابن بطوطة . فالسرد الدرامي مليء بالمغامرات التي يخوضها القارئ بحرية تعبيرية مغمسة برمادية الحيوات التي تتشابه، أو كما يقال، إن التاريخ يعيد نفسه، وكأننا ننتمي إلى ولادة الحدث المتجدد في مخطوطة فعلا هي سفر الخلود، إذ حافظ “جاسم سلمان”  على صفة الخيال مع ابن بطوطة الذي جمعه مع الطبيب والعجوز في هيكل مزدوج ربط من خلاله الأكوان الأساسية التاريخية بالأخرى الثانوية، أي بين العالم الحقيقي التاريخي والآخر الخيالي ، واستطاع الربط بين العالمين بتناظر مهيب أحده ينتمي إلى العالم الحقيقي لابن بطوطة الرحالة المعروف عبر خط تتكيف فيه رحلة ابن بطوطة الأصلية مع الطبيب والعجوز،  ضمن تغيرات سردية منفتحة على ما يسمى رواية ما بعد الحرب، على التاريخ المحفوف بروح المحاكاة، وإيماءاته التي تستدعي الاعتراف والفهم لقيمة الزمن الذي يحاكي بعضه البعض ضمن الأمكنة التي تتشابه أيضا، مع  الدخول في تفاصيل الشخصيات والمواجهة بينها تاريخيا من منظور تدويني مزدوج . فهل يمكن اعتبار هذه المخطوطة السردية نصا تاريخيا افتراضيا يمكن استكماله في كل زمن ؟ وهل هذا نوع من الكتابة التاريخية التجديدية في عصر اتسم بما يسمى ما بعد الحداثة، حيث شخصية ابن بطوطة تتطور تاريخيا ؟ وهل يمكن اعتبار هذا السِفر التاريخي غرائبيا في رحلاته ؟ أو إن أخبار ماضي العرب في العصر الحديث ودفة التقصي والسرد كالبوصلة التي تجعلنا نحدد مسار من نجا من المحن في التاريخ الممتد إلى الحاضر الآن ؟.