{المسرات والأوجاع}.. يثير أشجان السينما العراقيَّة

ثقافة 2023/03/27
...

 رضا المحمداوي

وفي الوقت الذي أشار فيه "مسرات وأوجاع" محمد شكري جميل إلى تلك المتغيرات السياسية الكبيرة من خلال تبديل صور الزعماء والرؤساء السياسيين العراقيين كدلالات ورموز للإشارة إلى التغيير السياسي، إلا أن هذه التغييرات الجذرية الكبيرة لم نجد لها ذلك التأثير الجوهري والمهم في شخصيات الفيلم الرئيسة وأحداثه المفصلية.

وبالتأكيد أن هذا الزمن الملحمي الواسع بحاجة إلى زمن درامي طويل من أجل تغطيته والكشف عن أحداثه ومتغيراته، ومن هنا امتدَّ زمن عرض الفيلم إلى ساعتين و20 دقيقة، وهو بالتأكيد زمن عرض طويل نسبياً، كان من نتائجه هذا الإيقاع المترهل والمرتبك للفيلم، على العكس مما كان مطلوباً، من ضرورة توفر ايقاع صوري وسرد سينمائي متدفق، من أجل التخلص من هذا الثقل والملل، الذي أصاب الفيلم في أجزاء كبيرة، خصوصاً في الجزء الأخير منه، وبين هذين الزمنين، أضاع الفيلم رسالته الفكرية، التي كان ينبغي ايصالها إلى المتلقي، وبدا الفيلم لنا ضائعاً لا يعرف أي طريق يسلك من أجل الوصول إلى مبتغاه.

وفي لجّة هذا الاضطراب والارتباك، ظَهَرَ لنا المخرج محمد شكري جميل، وقد فَقَدَ الكثير من لياقته الإخراجية وتمكّنه الفني، وبدتْ لنا العديد من علامات ودلائل عدم سيطرته على أدواته الإخراجية، وخاصةً في اختياره وإدارته للممثلين، وهو ما لا يليق بمخرج معروف له تاريخه الحافل بالإنجازات السينمائية منذ سنوات طويلة.

  وأحسبُ أنه كان بحاجة إلى عناصر إخراجية سينمائية شبابية جديدة، تكون له عوناً وسنداً، وتقف إلى جانبه وتؤازره في إنجاز الفيلم، ولنا في تجربة المخرج الراحل الكبير يوسف شاهين، إسوة حسنة في هذا المضمار، إذ استعان بالمخرج الشاب خالد يوسف، ليكون إلى جانبه في إخراج أفلامه الأخيرة، لا سيما فيلمه "هي فوضى" الذي بدا فيه تأثير أسلوب المخرج الشاب واضحاً، في "المسرات والأوجاع" بدت الإدارة الفنية، بجميع عناوينها ومفرداتها من إدارة تصوير وإضاءة، غائبة تماماً عن الصورة السينمائية المجسدة على الشاشة، على الرغم من وجود اسم مدير التصوير، الراحل حاتم حسين مع الشاب الحيوي عمار جمال، وهذا الغياب الفني يتحمّل مسؤوليته المخرج نفسه وليس الإدارة التصويرية المشتركة للاثنين (حاتم، وعمار) فنحن أعرف بالقدرات والإمكانيات لدى الاثنين، وقد تلاقتْ عندهما الخبرة المخضرمة مع الدماء الشابة معاً. 

في الإخراج يعتبر الممثل هو الأداة الرئيسة والمهمة لدى المخرج، أما إذا فقد الأخير السيطرة النوعية على ذلك الممثل، فإن مساحة الاشتغال الإخراجي تفقد قدرتها وتأثيرها على الشاشة، وباستثناء الممثلين المعروفين فإن إدارة الممثلين الشباب، الذين جسّدوا الشخصيات الرئيسة قد عانتْ من الربكة والخلل وعدم الاقناع والتأثير.

وعلى سبيل المثال فقد بدأ المخرج مع شخصية توفيق (الممثل محمد البصري) وهو في مقتبل العمر واستمر معه إلى الكثير من الحقب والمراحل التاريخية الطويلة والمتعددة ويفترض به، قد أصبح عجوزاً، أو شيخاً كبيراً في حين بقي الممثل محمد البصري محافظاً على ملامحه الشبابية وبكامل طاقته وحيويته.  

  لقد أحكمَ الاخفاق والشلل على الكثير من التفاصيل  الداخلة في صناعة الفيلم وبالنتيجة النهائية كان خيبة أمل كبيرة بقدرات وإمكانية المخرج القدير محمد شكري جميل وعدم تمكنه من تقديم فيلم يليق باسمه وخبرته المتراكمة على مدى سنوات طويلة وتاريخه السينمائي الحافل بالإنجازات. 

ومثلما عانتْ الشخصية الرئيسة في الفيلم من العقم الدائم وعدم القدرة على الإنجاب، فإن فيلم "المسرات والأوجاع" كان فيلماً عقيماً لم ينجب لنا إنجازاً سينمائياً متميزاً، وبيده الواهنة أطلق المخرج محمد شكري جميل رصاصة الرحمة على أفلام المشروع السينمائي الفاشل القديم.