أقبلَ الليلُ.. وازدهت ليالي (الكشافة)

الرياضة 2023/03/27
...

علي رياح



يجهل القطاع الأوسع من أهل الكرة تلك الرمزية التي يحملها (السابع والثلاثون من آذار)، اليوم الذي انتقلت فيه إقامة المباريات الكروية عندنا من واقع إلى آخر مختلف تماماً اكتمل فيه مشروع الأضواء الكاشفة لملعبنا التاريخي (الكشافة)، فأعلنت شركة سيمنس الألمانية أنه صار في وسع الأندية والمنتخبات العراقية أن تـُجري مبارياتها ليلاً، أعقب الإعلان نزاع شديد بين الشركة ووسيطها شركة سمحيري إخوان العراقية من جهة ومديرية المباني العامة، ليشهد الناس في ذلك العهد فصولاً من التراشق في المخاطبات الرسمية، وكانت كل جهة تدرك أن إنارة أبراج ملعب الكشافة حدث لن يجود بمثله الزمان، فكان لا بدّ أن يقترن اسمها به.

في أوج الفرحة التي غمرت أهل بغداد باكتمال أبراج الإنارة، أعلن اتحاد الكرة العراقي إقامة مباراة للنجوم في افتتاح أو تجريب الإنارة يوم الثلاثاء الموافق للتاسع والعشرين من آذار 1966، أي قبل ثلاثة أيام فقط من الافتتاح المنتظر للنسخة الثالثة من بطولة كأس العرب في بغداد ليكون (الكشافة) مسرحا للجانب الأوفر من تلك المباريات.. فتمت قسمة نجوم العاصمة على فريقين، منتخب بغداد (ألف) ومنتخب بغداد (باء)، وكان لافتاً تماماً أن يتدفق ما يزيد على سبعة آلاف متفرج نحو ملعب الكشافة وقد مالت الشمس إلى الغروب بانتظار صفارة البداية التي أطلقها الحكم الدولي الراحل صبحي أديب عند السادسة والنصف مساءً، ليمنح الجمهور متعة المشاهدة تحت أنوار مُبهرة كانت تتولى خطف أنظار المتفرجين بين حين وآخر وكأن الجميع يريد أن يستوعب المشهد الجديد، بينما كان منتخب (ألف) يبسط قبضته على فصول المباراة ليسجل طارق رزوقي الهدف الأول من ركلة جزاء، تلاه هشام عطا عجاج بهدف ثان، ثم افتتح نوري ذياب الشوط الثاني بهدف ثالث قبل أن يختتم (عجاج) الحصيلة بهدف رابع انتهت إليه المباراة. خرج الجمهور من ملعب الكشافة بعد الأمسية وهو في غاية الانشراح والبهجة كدلالة على أن الملعب الوحيد الذي كان يستوعب المباريات والبطولات المهمة صار مؤهلاً لأن ينشط خارج أوقات (دوامه الرسمي) في الظهيرة أو عند العصر، وصار في وسع سكان المناطق المحيطة بالكسرة أن يشاهدوا الأبراج العالية وهي تنشر أنوارها في بؤرة تقتحم جوف الليل.

فتح هذا الحدث الباب واسعاً للمطالبة بتسريع خطى العمل في ملعب الشعب الدولي الذي كان يشهد حركة إعمار نشطة، ليتم افتتاحه بعد أقل من ثمانية أشهر بلقاء منتخب بغداد مع بنفيكا البرتغالي، ليدخل بعدها الكشافة في موجات متعاقبة من الاهتمام المحدود والإهمال المطلق برغم احتفاظه بالقدرة على احتضان المباريات المختلفة..  كان الملعب الذي اقترن بلقب (الطنبوري) لقدمه ووطأة تقادم الزمن عليه، يذوي يوماً بعد آخر من فرط الإهمال الذي أصاب قيمته التاريخية ودلالته الرياضية وقدرته على استضافة المباريات، ليبلغ به المآل صورة من النسيان لا ترقى أبدا إلى عقود من السنين كان فيها الملعب ملاذاً وصانعاً للبهجة الكروية.