(ثـلاثـيـة) أحـمــد راضـي: قــيـثـارة وصـقــور ونــوارس

الرياضة 2023/03/29
...

علي رياح

التسامح شجاعة. من اليسير تماما أن تحمل شعور البغضاء وأن تنشره في الوسط الذي تنتمي إليه، فمثل هذا الشعور متاح في النفس البشرية وهو الأقرب إليها بالفطرة ، لكن من العسير تماما أن تقاوم البغض الذي يغلي في قلبك بالتسامح!.


كان الصديق الراحل الخالد أحمد راضي يحدثني، عام 2002 ، عن أهم إنجازاته الكروية . لم يتوقف في البدء عند تأهلنا الفريد إلى المونديال عام 1986، ولا عن هدفه (العراقي) الوحيد هناك .. وفي هذا التعداد لم يقدّم اختياره كأفضل لاعب في القارة الآسيوية عام 1988 ثم ثالث الترتيب في العام الذي تلاه.. وكنت كذلك أتوقع مفاخرته بألقابه المحلية والعربية التي جعلته بحق لاعب القرن في العراق.

كان يقول: أن أدرّب الشرطة والقوة الجوية، الناديين الغريمين للزوراء، النادي الأم بالنسبة لي، هو المنجز . 

لاحظوا أن الساحر لا يتحدث في يومنا هذا، إذ يتيح الاحتراف للمدرب أن يتنقل بين أقطاب الأندية بين موسم وآخر أو مثنى وثلاث خلال الموسم الواحد، وإنما كان يتحدث عن حقبة تتراوح بين عامي  1999 و 2001  يوم كان اسم أحمد راضي وحده يعني الزوراء، وقد كان المستحيل 

الرابع (بعد الغول والعنقاء والخلّ الوفي) كما يقول المثل، أن تجد نجما زورائيا بحجم أحمد راضي وهو يقود الشرطة ثم القوة الجوية ولا يجد الفرصة التدريبية بعد الاعتزال مع الزوراء!.

يبرّر أحمد راضي هذه الثقة المطلقة أو (حتى المُفرطة) التي منحها له نادي الشرطة عام 1999، بأنها اللون الجميل للتسامح الذي يرتبط بحقيقة أن البيت الكروي العراقي كلٌ لا يتجزأ، وأنه لا مكان

 لهذا التطاحن في المواجهات والحروب الكلامية، وهو ما نشهده ونحن في عام 2023.



تسلـّم أحمد راضي فريق الشرطة بعد أن حرمه الزوراء هذه الفرصة ومنع تعيينه مدربا للفريق، والمفارقة أن إدارة النادي وعدت الساحر بأنه سيكون المدرب في الموسم المقبل (1999 - 2000) بعد رحيل المدرب عامر جميل الذي قاد الفريق إلى ثنائية الدوري والكأس، وأعلن جميل نفسه أن راضي يحمل الحصة الأكبر من هذا الإنجاز بعد أن عاد من الإمارات عام 1998 بعد تجربته الرديئة مع نادي دبا الحصن الإماراتي، وأخذ على عاتقه الوصول بالزوراء إلى قمة البطولتين.

رأت إدارة الزوراء وقتها أن أحمد راضي غير مؤهل لتدريب الفريق، وكان لافتا أن عامر جميل نفسه كان قد غادر، مما أفسح المجال أمام طرف ثالث هو عدنان حمد لأن يتسلم الزمام التدريبي! .

على الفور اتصلت إدارة الشرطة بأحمد راضي ومنحته الثقة وعينته مدربا خلفا لفيصل عزيز، وصبرت عليه حتى حين خسر أمام فريق حيفا المغمور، ومما أذكره أن فريق الشرطة تصدر الدوري على مدى (25) جولة في موسم 1999 - 2000 قبل أن يتراجع إلى المركز الثالث في نهاية المسابقة، وقد كان الفريق – بحق – يفتقر إلى العدد الكافي من النجوم

 أو مفاتيح اللعب.

وفي الموسم التالي نجح الشرطة مع أحمد راضي في أن يحرز بطولة كأس بغداد وبطولة أخرى، لكن هذا لم يكن كافياً، فبعد الخسارة أمام سامراء قدم راضي استقالته، فرفضتها الإدارة، لكنه ومع إطلالة تشرين الثاني من عام 2001 كان يقود غريما آخر للزوراء، هو القوة الجوية في كأس الكؤوس الآسيوية.. تسلـّـم الفريق الذي كان خاسرا في الذهاب أمام الأقصى الفلسطيني، وقاده إلى الفوز في الإياب بعد يومين فقط من تسلم المهمة، ومع هذا غادر الجوية البطولة بسبب نتيجة مباراة الذهاب، وبعد حين غادر أحمد راضي وكر الصقور.



التسامح أن يكون أحمد راضي ألمع نجوم التاريخ الزورائي في زمن الانتماء الناديوي الشديد، مدرباً للشرطة ثم القوة الجوية في مقتبل عمره التدريبي بعد الاعتزال، بعد أن أحجم ناديه الزوراء عن منحه الثقة التي جاد بها المنافسون.

ربما يكون هذا الفصل من حياة أحمد راضي خارج مألوف الجيل الحالي إذ يشتعل الجو بكل عوامل الكراهية والتعصب والاحتراب تحت بند التشجيع.. ويقيني أن ما توقف أحمد راضي عنده في هذه الثلاثية، في إحدى جلساتي معه، غائب أولا عن ذاكرتنا، وغير مسموح به اليوم بعد أن بلغنا الدرك الأسفل من العلاقة في إطار ما يُفترض أنه البيت الكروي الواحد!.