التوتر.. يقصّر العمر

منصة 2023/04/06
...


ما سنقوله ليس كلاما عاما بل نتيجة دراسات في علم المناعة العصبية النفسية، ركزت على مدى تأثير التغيرات الفسيولوجية التي تحدث بسبب الضغوط وكيف ترتبط مباشرة بأمراض تستعجل الموت.. هدفت إلى الاجابة عن هذا السؤال:
 هل للتوتر الناجم عن الضغوط قدرة على اضعاف الجهاز المناعي بما يكفي، لزيادة مخاطر الاصابة بأمراض عضوية؟

كانت نتائج الدراسات مدهشة، ففي احداها تبين وجود علاقة بين التوتر الناجم عن الضغوط والاصابة بنزلات البرد، وخلصت إلى أن التعرض لفيروس البرد ليس سببا كافيا للاصابة بالمرض، بل أن الضغوط تعدّ عاملا حاسما في حساسيتنا للمرض.

والأخطر، أن نتائج الابحاث قدمت دليلا على أن انفعالي العداء والغضب، يلعبان دورا بارزا في الاصابة بامراض القلب!. فقد وجد أحد الباحثين بدراسة اجراها على العاملين بشركة (ويسترن اليكتريك) أن العداء الشديد يعدّ مؤشرا "مهمّا على تزايد مخاطر الازمات القلبية".

وفي دراسة على عدد من الاطباء استغرقت خمسة وعشرين عاما، وجد أن الاطباء الذين يسجلون درجات عداء عالية في اختبار نفسي، كانوا اكثر عرضة بنسبة اربع إلى خمس مرات للاصابة بأمراض القلب، مقارنة بأصحاب الدرجات المنخفضة. كذلك وجد أن الاشخاص الذين يسجلون درجات مرتفعة في العداء والتوتر يتعرضون بنسبة عالية لحالات انسداد الشريان التاجي، وارتفاعا كبيرا في ضغط الدم ومستويات هرمونات التوتر مثل الادرنالين والكورتيزول.

  وما يثير الدهشة أن إحدى الدراسات وجدت أن وظيفة جهاز المناعة لدى الرجال الذين يفقدون زوجاتهم تنخفض بعد شهرين من وفاتهن، بينما كشفت دراسة اخرى عن أن الارامل من الرجال كانوا اكثر عرضة للوفاة خلال ستة اشهر من وفاة زوجاتهم. ليس هذا فقط، بل إن حالات التوتر العاطفية والاجتماعية لها تأثير سلبي على وظيفة الجهاز المناعي، اذ وجد علميا أن العلاقات الاجتماعية المتوترة تنافس التدخين وضغط الدم المرتفع ومعدلات الكولسترول المرتفعة والسمنة كعوامل للاصابة بامراض الوفاة المبكرة.

قد تقول: إن العراقيين يعيشون أشدّ حالات التوتر، وما سمعنا يوما أنهم ماتوا بأزمات قلبية ناجمة عنها، وان العداء بين السياسيين والتوتر الناجم عنه، يكاد يكون يوميا..ومع ذلك، فأننا لم نسمع بأن احدهم انسدّ شريانه التاجي، ومات أو ارتفع لديه ضغط الدم وانفجر.

والجواب: 

   اما أننا لا نمتلك احصاءات طبية عن الحالات المرضية واسباب الوفيات، أو أن الجهاز المناعي للعراقي قد (أدمن)، أو ان السياسي صار يخفي مرضه ويسافر خلسة إلى لندن أو برلين للعلاج!، أو أن اربعين سنة متواصلة من الكوارث والفواجع وتوالي الخيبات جعلت العراقيين استثنائيين بين البشر في تحمل التوتر.. لأن الحقيقة العلمية تقول: إن التوتر الزائد عن الحد يؤدي إلى الاصابة بأمراض وموت مبكر، وإن الانسان الذي يعيش سلاما داخليا مع نفسه والاخرين.. يكون جهازه المناعي قادرا على مقاومة المرض وعلاجه ايضا!.

  مع حقيقة نغفلها وتؤكد ما قلناه: إن الذين التحقوا بقافلة الأدباء والفنانين والمفكرين الذين غادروا الدنيا، ازداد عددهم في السنوات الأخيرة، ولا تفسير لها، إلا لأنهم من صنف الناس الذي يريد أن يعيش حياة تليق بالبشر، في وطنٍ يمتلك كل المقومات لأن يعيش اهله حياة اجمل وعمرا اطول .. لا تؤثر فيهم الضغوط الا حين تستفز غيرتهم على الوطن!