45 مليون شخص يعيشون العبودية
اسرة ومجتمع
2019/04/19
+A
-A
سارة السهيل
اثار احتفاء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “ اليونسكو” مؤخرا باليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي لعام 2019، العديد من الشجون في قلبي وقلب كل من يتألم بألم الانسانية
فبالرغم من اهمية هذا الاحتفاء الدولي بهذه الذكرى قبل مدة وبشكل سنوي للتوعية بمخاطر الرق والعنصرية والوحشية التي تعرض لها ملايين الافارقة طوال اربعمئة عام ودفع ثمن جريمتها قرابة 17 مليون انسان، فضلا عن الذين أتوا خلال نقلهم من موطنهم الى المستعمرات الامريكية والاوربية، إلا أن هذه العبودية والاسترقاق لم ينته بعد، فنحن لا نزال نعيش في شكله القديم وايضا في اشكاله الحديثة.
ورغم الغاء العبودية قبل قرنين من الزمان الا انها عادت في ثياب جديدة وعبرت عن نفسها في ظاهرة الاتجار بالبشر، وبالاعضاء البشرية وبالتجارة بالنساء عبر بوابة تجارة الجسد وعبر سوق الاعلان لجلب مستهلكين للسلع والمنتوجات واستغلال الاحرار في عمل من دون اعطائهم اية حقوق مادية وهو آفة منتشرة في مناطق مختلفة من العالم.
واقع صادم
ونحن نعيش في الالفية الثالثة للميلاد وما تعيش فيه البشرية من تطور حضاري تقدمت فيه القوانين الدولية التي تحفظ حقوق الانسان في الحرية، فان الواقع الدولي يؤكد انه لا يزال هناك نحو 45 مليون إنسان تشملهم ظاهرة الاتجار بالبشر.
وبفعل انتشار النزعات والحروب الاهلية وما ارتبط بذلك من ظواهر ارهابية وعنف وهجرات ونزح قسري وغيره ، فان النساء والاطفال كانوا اكثر الفئات الانسانية تعرضا للانتهاك والاغتصاب وتجارة الجسد والاعضاء.
فالحروب الاهلية والنزعات الداخلية في منطقتنا العربية افرزت ظهور جماعات الاسلام السياسي المتشددة والارهابية كالقاعدة ومن بعدها داعش واغرقت المنطقة في بحور الدم فدفعت الملايين للفرار والهروب الجماعي والنزوح القسري، والذين تعرضوا في حالة فرارهم للابتزاز الانساني بكل اشكاله فوقعوا تحت طائلة الاستعباد.
اما الذين ظلوا على الارض في سوريا والعراق وليبيا فقد دفعوا ثمن تمسكهم بالارض خاصة النساء والاطفال فقد سبيت النساء وبيعت مجددا في سوق النخاسة واستخدم الاطفال اما في الحروب او لتجارة الاعضاء على مسمع ومرآى شعوب العالم.
فقد اكتظت شبكات التواصل الاجتماعى بفديوهات وصور لمشاهد عصابات داعش الارهابي وهي تبيع النساء الاسيرات، ويبدأ سعر المرأة من 100 دولار إلى 150 دولارا وخلال فترة قصيرة ارتفع ثمن الجارية من 150- 1000 دولار.
حقائق
لاشك ان التشظي والتفتت الذي تعرضت له بعض الدول العربية عقب ثورات الربيع العربي، وما تبعها من زيادة عدد المهجرين من اوطانهم وغياب مفهوم الدولة المستقرة قد استثمره تجار البشر المستغلون أبشع استغلال، تؤكد ذلك عمليات بيع المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى خلال محاولتهم الوصول الى اوروبا في أسواق عبودية في ليبيا.
وهذا ما كشفه فيديو بثته شبكة “سي إن إن” الأميركية في تشرين الثاني الماضي، حيث يظهر الفيديو شبابا من النيجر وبلاد أخرى في منطقة جنوب الصحراء الكبرى يباعون بسعر 400 دولار أو 300 جنيه استرليني في أماكن لم يتم الكشف عنها في الدول العربية.
كما يظهر الفيديومجموعة من المهاجرين الأفارقة يقفون متراصين وينادي عليهم السمسار في مزاد علني من أجل بيعهم للعمل في مزارع. فقد احتجز المهربون هؤلاء المهاجرين وأجبروهم على العمل مقابل رواتب قليلة أو عدم تقاضي أي رواتب.
ووفقا لتقرير أوردته هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” عن الشأن ذاته، تقول إن منظمة الهجرة الدولية بليبيا في أبريل 2017 كانت قد جمعت أدلة عن العبودية في ليبيا قبل نشر هذه الواقعة، موضحة أنه كانت هناك تصريحات سابقة لمدير المنظمة الليبية يتحدث فيها عن أن تحديد أسعار المهاجرين يخضع للمهارات التي يمتلكونها.
مؤشرات العبودية
وتقر مؤسسة “ووك فري” في بيان لها نشرته شبكة “سي إن إن” بان “العبودية ليست شيئاً من الماضي، وعلينا أن ندرك ذلك . إن طبيعة العبودية الحديثة تجعلها سرية ومخفية عن الأنظار، ولكن هذا لا يعني أنها لا تحدث في كل مكان، وأن كل بلد في العالم يتأثر فيها”، وعرفت العبودية على أنها “حالات استغلال، حيث لا يمكن للشخص الذي يعاني من العبودية أن يرفض عمله أو يتركه بسبب تهديدات أو عنف أو إكراه أو إساءة استخدام للسلطة أو الخداع”، مشيرة إلى أن حوالي 45.8 مليون شخص من حول العالم اليوم يعيشون في ظل هذا النوع من العبودية.
وطبقا لمؤشر العبودية في هذه المؤسسة الدولية فإن نسبة الأشخاص الذين يعيشون في ظل العبودية الحديثة في موريتانيا انخفض بنسبة 4% عام 2014 إلى 1% عام 2016، فيما جاءت كوريا الشمالية بالمرتبة الأسوأ في المؤشر، بعدما أظهرت الدراسة أن بين 20 شخصا هناك ضحية واحدة للعبودية. فيما جاءت أوزبكستان بالمرتبة الثانية على صعيد عدد السكان في ما يخص انتشار العبودية الحديثة وذلك على الرغم من اتباع بعض الخطوات لمعالجة العمل الإجباري في صناعة القطن لكن الحكومة الأوزبكية مازالت تخضع مواطنيها للعمل القسري في حصاد القطن كل عام.
عصرنا الحديث
اتخذت العبودية في عصرنا الحديث اشكالا جديدة تتمثل في اجبار الأشخاص على العمل وتهديدهم حال تركه وعدم إعطائهم حقوقهم نهائيًا، والمثير في الامر ان بعض الدول الكبرى وممن ترفع رايات الحريات لا تزال تسترق انسان القرن الحادي والعشرين مثل بريطانيا، والاكثر غرابة ان ظاهرة الرق آخذه في التنامي بسرعة في هذا البلد الحضاري المتقدم، وذلك بحسب ما كشف النقاب عنه تحقيق أجرته بعض المنظمات الخيرية حيث رصدت زيادة كبيرة في جرائم العبودية في
بريطانيا.
فقد اوضحت منظمة هوب فور جوستس” أمل من أجل العدالة” المتخصصة في حملات مناهضة للإتجار بالبشر، إن مشكلة العمالة القسرية والاستعباد المنزلي والاستغلال غير الاخلاقي تعد مشكلة كبيرة للغاية في بريطانيا.
وكشفت مصادر التحقيق البريطانية، عن أنه خلال السنوات الثلاث الماضية وقعت ثلاثمائة وست وثلاثون جريمة عبودية، وأوضحت المنظمة الخيرية أن التقديرات الحالية لعدد من حالات الإتجار بالبشر تقدر بنحو مائة ضعف ذلك الرقم، معتبرة أن 90 في المائة من الضحايا لا تعلم عنهم السلطات أو المنظمات الخيرية لأنها جرائم خفية.
وقال الرئيس التنفيذي لمنظمة امل من اجل العدالة، ان الاتجار بهم يحقق ربحا شهرياً للمتورطين يقدر بنحو خمسة عشر الف جنيه استرليني.
وأمام هذه الحقائق، فان المجتمع الدولي والانساني يجب ان يقف صفا واحدا في مواجهة ظاهرة الرق والعبودية في أشكالها القديمة والحديثة على حد سواء تحقيقا لحق الانسان في الكرامة والحرية والعدالة. “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم
احرار” !!!