ساعة ونصف حوّل فيها هالر أحلام دورتموند إلى سراب

الرياضة 2023/05/29
...

  بغداد: محمود الحمداني

حقق العملاق الألماني بايرن ميونخ لقب الدوري الألماني للمرة الحادية عشرة توالياً، ليواصل سلسلته الاستثنائية التي قد يحطم فيها الرقم العالمي، كأطول من حقق بطولات الدوري بشكل متواصل، ولكن هذه المرّة كانت بطريقة درامية يتمناها جميع كتاب سيناريوهات الإثارة. 


أعيُن الجماهير ظلت تُتابع مُباراتي البايرن أمام كولن ودورتموند أمام ماينز في الجولة الأخيرة للبوندسليغا، لآخر الأنفاس، بعد أن نجح البايرن بتسجيل الهدف الذي أهداه اللقب في الدقيقة 89، في حين كان دورتموند يحتاج لهدف واحد لحسم اللقب، بعد أن سجل هدف التعادل في الدقيقة السادسة للوقت بدل الضائع. 

البايرن حقق اللقب بفارق الأهداف، ونجح بشقِّ الأنفُس وبطريقة دراماتيكية، بإضافة لقب جديد لخزانته بالرغم من تقلبات الموسم التي عاشها، والتي تعقدت بشكل كبير في الثلث الأخير من الموسم، بعد أن أقال مُدربه (ناغلسمان)، الذي استقدمه بداية الموسم الماضي، من مُنافسه (لايبزيغ) برقم قياسي عالمي، على مستوى انتقالات المُدربين، بلغ 25 مليون يورو. 

جماهير الفريق البافاري كانت تستعد بشكل شبه مؤكد لخسارة اللقب لصالح دورتموند الذي كان يحتاج إلى الفوز فقط، من دون النظر إلى بقية النتائج، لكن ذلك لم يحصل، وظل درع الدوري في مدينة ميونخ التي اعتاد البقاء فيها لعقد من الزمن. 

دورتموند كان قد سجّل عودة استثنائية في النصف الثاني من الدوري، مُستفيداً من استعادة الهداف (هالر) والذي مرَّ بقصة غريبة قبل بداية الدوري لكنه عاد وأصبح المُنقذ، وفي لحظة واحدة، تحوّل الحُلم إلى كابوس بعد أن أهدر هالر ركلة جزاء في مباراة الفريق الأخيرة في الدوري كان من المُمكن أن تكون سبباً في التتويج.  هالر وبالرغم من مأساة المُباراة الختامية، كانت له قصة غريبة هذا الموسم، لم يكن يتخيلها أحد. 

الحكاية بدأت في الصيف الذي سبق انطلاقة الموسم الحالي، حيث رحل عن الفريق هدّافه الاستثنائي، النرويجي ايرلينغ هالاند، بصفقة كبيرة بلغت قيمتها المعلنة 60 مليون يورو، ليفقد بذلك الفريق أهم أركانه، ويتجه سريعاً لتعويض هالاند بصفقة قوية في ذات المركز. 

فكان الخيار البديل هو الايفواري (سباستيان هالر)، والذي قدّم حينها موسماً كبيراً مع أياكس الهولندي، سجل خلاله 34 هدفاً في كُل المُسابقات، 11 منها كانت في دوري الأبطال، وضعته ثالثاً في ترتيب هدافي البطولة خلف بنزيما وليفاندوفسكي. 

دورتموند أتَمَّ الصفقة سريعاً بما يُقارب نصف المبلغ الذي باع فيه هالاند، وبدأ (هالر) الموسم التحضيري مع فريقه الجديد، وجميع الأمور تسير في طريقها الصحيح، لكن الصاعقة نَزَلت على اللاعب والفريق، في مُنتصف مُعسكرهم الإعدادي وقُبيل انطلاق موسمهم الجديد بأيام قليلة.

تم تشخص إصابة (هالر) بسرطان الخصية، وتوقفت رحلة اللاعب مع فريقه الألماني بشكل مُفاجئ، وتبعثرت أوراق الفريق مُجدَّداً، واضطر لدخول مُباراتيه الافتتاحيتين، في الكأس والدوري من دون مُهاجمٍ رئيسي. 

الإدارةُ حاولت تدارك ذلك سريعاً، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة، فقد أتمّت أغلب الفرق صفقاتها المُهمة، ولم يتبقَّ في السوق ما يُسعف تطلُعاتهم، فكان الخيار الإجباري هو التوقيع مع مهاجم متوسط المستوى، فوقع الخيار على مهاجم (كولن) المُخضرم (انتوني موديست) والذي كلّف انتقاله خمسة ملايين يورو فقط. 

لينضم إلى المهاجم الصغير يوسف موكوكو والذي تم تصعيده من أكاديمية النادي، لكن الصفقة كانت غير ناجحة بكل المقاييس، حيث لم ينجح المُهاجم الفرنسي في التسجيل سوى مرتين، في 28 مُباراة خاضها مع الفريق في جميع البطولات. 

دورتموند وجد نفسه في المركز السادس مع نهاية العام 2022، حيث توقف الدوري الألماني حينها لأكثر من شهر، للتفرُّغ لأعياد الميلاد، لكن الأخبار السارة جاءت مع بداية العام الجديد 2023.  حيث كان أول خبر إيجابي هو عودة مهاجمه (هالر) للتدريبات بعد تماثله للشفاء من مرضه، الذي عاش فيه فترة علاجية قاسية، أثرت كثيراً في وضعه البدني، لكن دورتموند نجح في تجهيز لاعبه بأسرع وقت مُمكن، ليسجل المهاجم الايفواري ظهوره الأول في الدوري الألماني بتأريخ 22 /1 /2023. 

تسارع الأخبار الإيجابية استمر مع دورتموند وهذه المرّة بتعثُّر المُتصدر بايرن ميونخ في مبارياته الثلاث الأولى في العام الجديد، وكذلك تعثر بقية المُنافسين على مرّات متفاوتة، في المقابل حقق دورتموند انتصارات مُتتالية ليجد نفسه في المركز الثاني ومتساوياً مع المُتصدّر، بذات الرصيد من النقاط بعد ست جولات فقط من العام الجديد. 

ليأتي الخبر السار الثالث، بعدها بفترة قليلة وهو إقالة مدرب البايرن (ناغلسمان)، ودخول الفريق في فترة عدم استقرار فني، استغلها دورتموند على أفضل وجه، رغم إخفاقه في بادئ الأمر، لكنه نجح في الأخير بخطف الصدارة قبل جولتين من الختام، بفارق نُقطتين عن البايرن. 

هالر كان بلا شك حجر الزاوية في ذلك، حيث لم يخسر الفريق بعد عودته سوى مٌباراة واحدة من أصل 19 مُباراة، وكانت أمام المُتصدّر بايرن ميونخ، في حين تعادل 3 مرات فقط مُقابل 15 انتصاراً، سجل خلالها المُهاجم الايفواري، تسعة أهداف وصنع ثلاثة، وارتفع خلال عودته مُعدل تسجيل الفريق من 1.7 هدف في المباراة الواحدة إلى أكثر من 3 أهداف للمُباراة، حيث سجّل الفريق (58) هدفاً بعد عودته مُقابل 25 سجلها قبل ذلك ليتضح بشكل بارز تأثير هدافه المُتألق في تغيير الشكل الهجومي للفريق الألماني. 

لكن الحكاية الجميلة لم تنتهِ بنهاية سعيدة لمُحبي النادي، فالمُباراة الختامية للدوري لم تشهد خسارة اللقب فقط بتعثُّر غريب، بل أيضاً خسارة الصورة الجميلة التي ظهر بها الهداف الايفواري (هالر) بعد أن تسبّبَ بكابوس لعُشاق الفريق، بإهداره لركلة الجزاء التي كانت ستُهدي اللقب للفريق الأصفر. 

دورتموند بالرغم من خسارته، تلقى تصفيقاً حاراً من جماهيره الحاضرة في الملعب والتي تُعتبر الأكبر على مستوى العالم، وخرج من موسمه مرفوع الرأس، وبالتأكيد سيكون رقماً صعباً في الموسم القادم في المُنافسات المحلية والخارجية، ليواصل بحثه عن الألقاب التي قد لا تكون بعيدة المنال بالنسبة لهذه التركيبة المُميَّزة من اللاعبين.