حاورتها هويدا محمد مصطفى
الشاعرة سعاد محمد تتعامل مع الأدب والثقافة كشغف وحاجة روحية، فنجدها تكتب قصيدة النثر، التي تتسم بالغموض وكثافة الصور الشعرية العميقة والشفافة ودهشة المجاز والرؤية الجديدة للفكرة.. هي شاعرة سكنتها القصيدة وجمعت بين حروف كلماتها قطوفا من الرقة والدفء، واستطاعت عبر قصائدها الموغلة في الجرأة والرومانسية التعبير عن المرأة ومشاعرها وأحلامها. واقترابا من تجربتها الشعرية كان لنا معها هذا الحوار..
* الشاعرة سعاد محمد، كيف تقدمين نفسك للقارئ؟
أظن أني بالنسبة للقارئ لست إلا ما أبدو عليه في نصوصي، كل نص لي يعرّفني من ناحية تفكيري ولغتي وعاطفتي وسوية ثقافتي.
أما من الناحية الشخصية فلا شيء كثير يقال، سعاد محمد عربية سورية من محافظة طرطوس، مهندسة مدنية وعضو في اتحاد الكتاب العرب، جمعية الشعر.
* كيف تكتبين قصيدتك، وأين هي من الواقع؟
الروح الشاعرة ببداهة الطبيعة تكتب، كما تهتف الزهور لمواكب الريح، وكما يمد الينبوع يده ليسلم على التراب كبرهان على أن الحياة كتبها مؤلف عظيم هو العطاء، وأن امتهان الخلق بالنسبة للمخلوق ما هو إلا تحبب للإله، فالشاعر يكتب لأنه يتنفس ويحب ويشعر بالامتنان للوجود الجميل..
والشاعر، أي شاعر، هو صنيعة الواقع ، فيأتي نصه حاملا لجيناته الحسية، هذه الجينات المتولدة من تأثره بالواقع وقدرته، بالوقت ذاته، على تأبط الواقع إلى مناطق حالمة أكثر رفقا بقلبه الرقيق، إن مداركه تخلق محسنّات لوجه الحياة، ليصبح عناقها أكثر بهجة، وهكذا يأتي النص مزيجا متجانسا من ثنائية الإبداع الجدلية الحلم
والواقع.
- هل تعتقد الشاعرة سعاد محمد أن أهمية الشعر والشعراء تلاشت عما كانت عليه في السابق أي في العصور الماضية ولماذا؟
لا، الشعر ابن وفيٌّ للواقع ومتمرد عليه، معا، لذلك هو باقٍ ما بقيت المشاعر الإنسانية، ومهما حاصرتنا المادية وجفت ينابيع العاطفة بفعل التعامل الخاطئ مع غزو العولمة المتوحشة، التي سلّعت الكثير من قيم شرقنا المدهوش بمذاقاتها المرّة والمتناقضة، فسيبقى الشعر ضروريا كالهواء والمطر والزهر والضحكات، إنه ضرورة للبقاء، لكن من نوع آخر، ضرورة يعرفها من عاشَ بروحه وخَبِرَ نِعمَ الشعر العظيم عليها.
* هل برأيك أن هناك أدبا نسائيا أم اختراعا ذكوريا لمحاصرة المرأة إبداعيا؟
لا، فالأدب النسائي ما هو إلا (بدعة نسوية)، فمن خلال ملاحظتي للمواضيع التي يتطرق إليها الشعراء، من الجنسين، في نصوصهم، أجد أن الشواغل الشعرية لهما واحدة، وأحيانا يتشابه أسلوب كليهما حد التطابق، لكن ثمة مفارق يعلن كل جنس فيها عن اختلافه المحبب
والطبيعي.
لذلك علينا أن نعترف بأن الأدب فوق الجنوسة احتراما لمقدرات الجنسين، ويبقى التفوق مرهونا بمدى شاعرية الشاعر، وعمق تناوله لموضوع القصيدة.
* إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن، وخصوصا كثرة الشعراء على مواقع التواصل الاجتماعي؟
لنتفق أولا بأن ما كل من كتب هو شاعر، وأن أكوام النصوص هنا وهناك ليست كلها قصائد، بعد ذلك أؤكد لك بأنه رغم الجلبة الأدبية الحاصلة على مواقع التواصل الاجتماعي فإن الشعر بخير، وأن الشعراء ليسوا بقلة، وأنهم يكتبون قصائد تصلح لسكنى الحالمين.
* مارأيك بالنقد، وهل يواكب مسيرة الشعر؟
التغيرالاجتماعي الذي داهم بلادنا فجأة لم يتح للأغلبية بلملمة ذواتها والتكيف معه، هكذا أجد حال النقاد في بلادي، لم يجدوا بعد الظرف المواتي لبناء نظرية نقدية ناضجة وتمثلها، فالنقد الحقيقي ثورة بكل معنى الكلمة.. والحالة النقدية الراهنة في وهن مقلق، والناقد الذي يتناول نصا أدبيا ويحلله كرمى لعين الأدب، فقط، شبه مفقود، علينا أن نبحث عنه كما الواحة في تصحر النزاهة الأدبية، فأغلب النقاد متملقون لأغراض باتت معروفة /هذا إن كان هناك ناقد حقيقي/.
* ما القصيدة التي أثرت فيك وتأثرت بها؟
عادة أكتب نصي وأتركه ليتابع حياته وحيدا، فلا أحب الوصاية عليه، لكن نصي (كذباتنا الزهرية)، لا يتركني أبدا، فكل حين يعود ليسلم علي ممتنا، ويذكرنا بالحالة الشعورية التي خلقته بها..
كذباتُنا الزّهريّةْ!
الطّفلُ الّذي ظنَّ أعوادَ الثّقابِ..
فراشاتٍ نائمةً، فأيقظَها
دفعَتْ حشاشةُ روحهِ الثّمنْ!
ويلٌ لمن عيناه أطولُ من يديهِ
وقلبُهُ أرشقُ من يديهْ!
نحن سكانَ هذهِ البقعةِ الشعوريّةِ
نكذبُ إذْ قلْنا كبرْنا..
والكذبُ دواءٌ لمرضى العاطفةْ!
أطفالٌ نحنُ
نغرقُ بشبرِ وهمٍ حينَ يطيبُ لنا صيدُ حلمٍ
نمضغُ الغيمَ الزهريَّ لنضحكَ
نلعبُ الغميضةَ مع أصواتِنا
نركضُ أمامَ أعمارِنا
ونتمسّكُ بجذوعِ الرّيحِ حتّى لا يسفَّنا اليقينْ!
نحنُ العجزةَ نمشي بهدي معجزةٍ
نشتري بالكلامِ أيّاماً على ذمّةِ المستحيلِ
وننتشي بكذباتِنا الحلوةْ!..
* مارأيك بالمشهد الثقافي في العالم العربي؟
المشهد الثقافي العربي كالسماء في ليل تموز، تمور بالأسماء المضيئة والشهب العابرة والكواكب المجتهدة، وكل يدعي بأنه القمر.. الشعراء يتكاثرون بسرعة، وثمة حواضن غير مؤهلة، وقصائد يتيمة المشاعر ومخلخلة البناء، وهناك قصائد أخرى كالحاضرات الأدبية تستحق الزيارة والاحتفاء.. إنه الوضع الطبيعي لأرواح متعطشة لعناق الفضاء بيدين من كلمات في ظل هذا الظهور المتاح بسهولة للجميع.. ستُظلم أسماء كثيرة وجديرة بالاحترام والاعتراف بقدرتها الشعرية، لكن تبقى الكلمة الفصل للزمان.
* أين أنت من الحداثة الشعرية؟
أراني متلبّسة إلى أقصاي بالحداثة، أحاول ترقية الحاضر الواقف على عتبة الأسلاف ليتسول أغانيهم ، فالروح والذائقة والحلم أولاد للزمان، وعلينا أن نعلّمهم لغة العصر..
* ماهي أعمالك الشعرية وهل حققت ذاتك من خلالها؟
- مشواري الأدبي قصير نسبيا، لكني راضية عن عدد مطبوعاتي، ولا أرنو أبدا إلى كومة من العناوين، تحاشيا لتكرار نفسي.. لدي ثلاث مجموعات مطبوعة وهي: (الغريب-عالٍ هذا السرج- تيمناً بالورد)، وهناك مجموعة أخرى في الطباعة بعنوان ( نذور للغزال).
أما عن سؤالك في ما إذا حققت ذاتي في ما كتبت، فأعترف بأني تلميذة مجتهدة وراضية نسبيا عن نتائجي مقارنة مع الوقت المتاح لي للاهتمام بالأدب، وأن لي هويتي الأدبية الخاصة التي أعتز بها.
* ماهي مشاريعك الأدبية القادمة؟
عن طموحاتي الأدبية..أسعى بكل وعي لبناء حاضرة أدبية على الطراز الحديث؛ بعيدة عن الابتذال والهلهلة اللفظية، يسكنها الصوت العالي والخطر جنبا إلى جنب، وتقبل اللاجئين من كل المذاهب الأدبية التي اعتنقت الجمال، وتركت خلفها كل الأفكار المريضة بالماضي والمتشحة بالتملق السام.