التتويجات المبكرة.. إرث ضائع

الرياضة 2023/06/05
...

علي رياح 



يواجه الزوراء هذا الموسم، كما في مواسم عدة مضت، معضلة إرثه الغني بالألقاب والذي تحوّل إلى عبء شديد عليه وهو يقدّم عروضاً في أدنى مستوى، فصار كمنْ يملك ثروة طائلة ولا يحسن الحفاظ عليها، فضلاً عن التصرف بها.

في بعض مواسم الدوري العراقي، تظهر لنا هيمنة فرق محددة تقضي على مبدأ المنافسة حتى الشوط الأخير، وتفرض منطق تتويجها مبكراً ولا تبالي بمصائر الفرق الأخرى حتى ولو كانت غريمة لها، وهنا لا بدّ أن نضع الشرطة بوصفه صاحب الرقم القياسي الذي سيستعصي طويلاً على الكسر في موعد منظور.. اتحدّث هنا عن نهاية الموسم الماضي (2021- 2022) وكيف كانت المسافة بين الشرطة المتوّج والقوة الجوية الوصيف (21) نقطة في نهاية هي الأكثر إثارة في مضمونها الرقمي التاريخي وإن خلتْ من إثارة التنافس الشديد في الأمتار الأخيرة من السباق.

أعود للزوراء وإرثه على هذا الصعيد، وتستوقفني تحديداً المرّة السابعة التي نال فيها اللقب وكانت الثالثة توالياً في الموسم 1995-1996، واتساءل هنا عن هذه الفجوة الواسعة التي يتركها الفريق بين ما كان عليه قبل ثلاثة عقود وبين ما يعانيه الآن من عجز عن السعي القوي في مشوار الدوري.. قبل أن يقترب ذلك الموسم من نهايته بـثمانية وعشرين يوماً كان الزوراء يُنهي المنافسة على القمة بشكل نهائي، تاركاً مركز الوصافة لفريق النجف الذي كان يعيش واحدة من عهود عزّه الكروي وبفارق 17 نقطة.

كان ذلك الموسم هو الأخير - حتى الآن ـ الذي يضرب فيه الزوراء مبكراً وبقوة ولا يدع للمفاجآت أو عَثرات الكرة أية ثغرة للنفاذ إلى مُنجزه.. فقد الفريق خلال منتصف الدوري آنذاك بعض لاعبيه للاحتراف في قطر وأصيب وحُرم آخرون بعقوبات اتحادية مختلفة.. أتذكر أن الفريق لم يخسر سوى مرة واحدة طوال الرحلة وكانت أمام الشرطة بهدف وحيد ليونس عبد علي، ومن المفارقات أيضاً أن الزوراء لم يعرف نتيجة التعادل السلبي إلا مرة واحدة وكانت مع الشرطة نفسه في دور الإياب.

هذه ليست أرقاماً مجردة لا روح فيها، وهي دلالة على تفوق كبير، لكن الزوراء لم يستأثر وحده بالأضواء، فإلى جانب النجف الذي أنهى الموسم ثانياً في منتهى الجدارة والكفاءة، كان هنالك فريق آخر شكَّل ظاهرة لا يمكن المرور العابر عليها، إنه الرمادي الذي كان محظوظاً لأن يقوده أعظم المدربين العراقيين وهو عمو بابا، فتمكن من الوصول إلى المركز الرابع.. الفريق صنعَ نجومه، وهذه العبارة تصدق بحق، فقدّم شاكر محمد صبار والأخوين جمعة وأحمد جديع وسعد ناصر وعامر مشرف وجاسم سرحان وعمار أحمد وشاكر شكر ورشيد أحمد وغيرهم.. أنظروا ماذا فعل الفريق.. فاز على الشرطة ذهاباً وإياباً، وتعادل مع الطلبة مرتين وفاز على الجوية والنجف والميناء والجيش.

أعود لأصل الفكرة لأشير إلى أن الزوراء فقد كثيراً من ذاكرة التفوق والإنجاز لديه في المواسم الأخيرة بعد أن تغيّرت معالم الخارطة الكروية لدينا.. ففي مقابل اندفاع أندية كبيرة كالشرطة والقوة الجوية إلى تصدر الواجهة، ينكفئ الزوراء ويترك (لعبته) المفضلة في ألقاب الدوري نهباً لتطلعات الآخرين.