النعيم والملاك السكير

ثقافة 2023/07/22
...

  محمد المشبك

اختار الرب تلك القرية النائية في جنوب البلاد ليمحيها من وجه الأرض، القرية التي أتعبت الملائكة وتغلبت على الشياطين، كان مجتمعها قضية المحكمة الإلهية الكبرى، كل شكاوى أهل الأرض ومشاكلهم انصبت عليها، بقعةٌ سوداء على الخارطة تُصدرّ كل انواع الفساد والقبح الى أهل العالم، منطقةٌ عبارة عن خدعة بصرية، وعدوى من  الأمراض النفسية الفتاكة، تسمع عنها الشرّ وتجدها فيها الخير والعكس صحيح، من زارها وجدها عامرة بالبيوت، المزارع، والغابات، وحتى  الأسواق التي تكتظ بالناس الطبيعيين الذي تراهم في أي بلاد، لكن يلسعكَ لهيب الشرّ بعد مخالطة أهلها ومعاملتهم، فكل واحد منهم هو حاكم ظالم وطاغٍ، يملأ كل ما ملكت نفسهُ من حقدٍ وأثم على أهلِ قريتهُ، فالفلاح يغش القرويّ المتعفف الذي هو بنفس مستواه المادي والطبقيّ، والقروي الذي يبتاع ما أشتراه من الفلاح يخادع قروي
آخر، والقروي الذي تعامل مع القروي الذي غشهُ الفلاح يخادعُ الرب وأبناء قريتهُ جميعاً، وهكذا يستمر أبناء القرية في سلسلة الغش
والخداع التي لا يقطعها حكمٌ إلهي، ولا حقٌ إنساني، وفي تلك الليلة الهادئة، الليلة التي ودعت الشمس وداعا أخير، اختار الرب إحدى أساطيرهُ التي مرَّ على ذكرها الكثير، وأرسل ريحًا عاتية، ريحٌ تنزعُ اللحم عن عظامه، وتقلع النخلة من أرضِها، فدمرت ومزقت جمال القرية، وقتلت سكانها والوافدين أليها بدون رحمة، ودون أن يرفُ جفناً للرب وقاضي المحكمة الإلهية، إلا ذلك الملاك الذي كان  ينام في أحد أزقتها، الملاك الذي نجا بأمرٍ من عرش السماء، الملاك الذي يمضي النهار متسولا مذلولا وفي الليل
شاعرا مجنونا، فقد اختارته هيأة مُحلفين الملائكة، ليكون شاهداً على ظلم قريةً
أخرى، فمضى سكيرُ الشِعر والكتابة، يجول في بقاع الأرض، يختارُ جحيما أخر حتى يكون شاهداً عليه في جنة الفردوس التي بقية لهُ فقط.