عدوية الهلالي
أصدر الكاتب الفرنسي موريس مورييه للتو روايته الجديدة (المرأة الثملة عند الفجر) ضمن ثلاثية أصدر اول أجزائها في عام 2015 بعنوان (في المنزل الخلفي)، والتي تتحدث عن المعرفة والثقافة والطبيعة والارواح والحاجة الى الخيال وايجاد طريقة للتعبير عن عالم لا يسير على ما يرام وعن الرغبة في محاولة الوصول الى السعادة. والكاتب موريس مورييه هو أستاذ في الادب الحديث عمل في جامعة باريس وجامعة دمشق وجامعة ليون، كما شغل منصب ملحق ثقافي في السفارة الفرنسية في طوكيو ثم ملحق ثقافي في السفارة الفرنسية في مدريد، ومارس كتابة المقالات الأدبية والسينمائية والنقد والروايات.
ومن أهم رواياته (المرآة التي أكلتها العثة) و(يوميات رجل ميت) و(حدائق الذاكرة) و(كيف تعيش مع صورة) و(ليالي نارا)، أما روايته الجديدة (المرأة الثملة في الفجر) فهي عبارة عن ملخص يجمع بين الخيوط المختلفة لأعمال موريس مورييه والتي بدأت منذ عام 1972 برواية سيرة ذاتية رائعة تحمل روح التحدي بعنوان (المرآة التي أكلتها العثة) وأعقبتها العديد من الروايات والقصص القصيرة والشعر.. ويعتمد مورييه في كتاباته على الخيال والعوالم المخترعة والمستقلة وغالباً ما يرافق ذلك استكشاف اللغة وتشوبها السخرية ويشعر المرء عند مطالعتها بالتعرّف على الفرنسيين في جميع العصور ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.
وتدور احداث الرواية في جزيرة باكواردز حيث لجأت اليها بعض الكائنات هربا من كارثة وشيكة الوقوع.
ولا نعرف ما اذا كانت الكارثة قد حدثت وما إذا كانت هذه الارض المفقودة وسط المياه هي آخر علامة بشريّة نجت من الدمار.. ويعتقد الكاتب أنّها مدينة فاضلة قائمة على الديستوبيا، وأن العالم سوف يدمّر حتما، وأن عدداً قليلاً من الناس تمكنوا من الابتعاد قليلاً عن ضوضاء العالم، لكنه لم يحدد الكارثة التي حدثت أو ستحدث، لأنّه لا يريد أن يتنبّأ بعالمنا، إذ يجب أن يذهب الخيال إلى أبعد ما يمكن، ويمكن للخيال الجامح، الرائع والخيالي، أن ينطلق في جميع الاتجاهات ولا يلتزم بقواعد.
وتعد إيفلين الشخصية الأكثر أهمية في الكتاب والتي يجب أن تكون قادرة على تمثيل جميع النساء لأنها تحمل اسم حواء فهي تمثل المبدأ الأنثوي في العالم، وهو الأهم لدى الكاتب ويوجد في كتبه الأخرى كما انه يجد صعوبة في خلق شخصيات نسائيّة سلبيّة.
أما الرجال، بشكل عام فشخصياتهم هامشيّة، ومع ذلك فهو لا يحب التحديد ويدعو الخيال الى الذهاب الى أبعد ما يمكن.
وتجري أحداث الرواية في اسكتلندا لأنّها دولة ذات مناخ رهيب حيث السماء دائمًا رماديّة وليست اسكتلندا بلد أحلامه بالضرورة، لكنها تمثل بالنسبة له، في أوروبا، المكان الذي يمكن أن يموت فيه المرء وأن يجد الموت مقبولاً.
إنّها نهاية رائعة للعالم في رأيه.
وتضم الرواية شخصيات من كل الأماكن والأزمنة، فالرجلان اليابانيان يتطابقان مع جزء كامل من تجربة الكاتب في اليابان وليموزين الفرنسي هو باحث أحمق، أمّا الأم ميشيل فهي الشخصية الفولكلورية الفرنسية المثاليّة.
وهناك أشباح، وشخصيات لا نعرف ما إذا كانت موجودة بالفعل أم أنّها مرتبطة بخيال سكان الجزيرة.
ويمكن اعتبار هذه الرواية كثيفة جدا وصعبة أحيانا، وفيها الكثير من الفكاهة والحزن، كما تضم معلومات واسعة عن الحيوانات التي كان الكاتب يتعطش لقراءة الكتب الشعبية عن قصصها في طفولته.
ويجيد الكاتب هنا مزج الفكاهة بالحزن والجنون فهو يمنح شخصياته الحق في أن يكونوا سعداء، لكنه يمنحهم الحق في أن يكونوا حزينين أيضا، فهنالك الحاخام دوش وهو الأسوأ على الإطلاق لأنه يحمل عبء ذكرى محرقة اليهود على ظهره، لكن جميع الآخرين هم أيضًا مهاجرون ومهمشون والشخص الوحيد الذي يفلت من هذا هو إيفلين، وهي شخصية أسطورية تتمتع بنوع من الخلود وربما تكون هي الشخصية الوحيدة التي لن تختفي من الكتاب، وعلى الرغم من حزن الشخصيات، فإنهم يحتفلون ويعيشون بوسائل بسيطة لكنهم غالبًا ما يكونون سعداء.
ويتكوّن الجزء الأخير من الكتاب من الآثار المكتوبة التي تركها بعض سكان الجزيرة.
فهل يعني هذا أنهم لم يستسلموا للاختفاء؟
وهل كانت النصوص التي تركوها سيئة؟ مع ذلك، تعد هذه النصوص مهمة بالنسبة للكاتب لأنها تلقي الضوء على الشخصيات الرئيسية في الكتاب. فكل هؤلاء الناس عاديون وليسوا أبطالاً وعندما يشعرون بالملل يكتبون، لكن هذه الكتابات تدل على أن الجزء الثالث هو الأكثر حزناً وشراً إذ لاتوجد شخصيات، بل ذكريات مكتوبة فقط كأرشيفات ووثائق كما يتحدث هذا الكتاب فقط عن اليوم، عنا، عن هذا العالم حيث بدأنا أخيرًا في إدراك أن الأمور تسير بشكل سيء وأنه يجب إيجاد حلول لجعل الأمور أقل سوءًا فعلينا أن ندرك أننا في حالة تضخم ديموغرافي بحيث لا نعرف كيف سنقوم بالتعامل معه، فقبل عقود، كان عدد سكان الأرض أقل بأربعة أضعاف مما هو عليه اليوم، لكن الكاتب يرغب في الحفاظ على هذا التناقض بين القلق العميق والرغبة في أن يكون المرء سعيداً وإيجابياً. فالوضع كئيب ومظلم، ولكن علينا أن نقاتل من أجل البقاء.