قاموس فكر السينما

ثقافة 2023/07/24
...

علي حمود الحسن

تفتقر المكتبة السينمائية العربية افتقارًا بيّنًا، لمراجع رصينة تجمع بين التنظير والحداثة، إلا ما ندر، لأسباب ليس أقلّها أنها لا تحظى بالرواج لعدم اهتمام القرّاء بهذا النوع من الكتب، عدا المختصين والباحثين، وهؤلاء قلة على أية حال، هذا التعميم تكسر قاعدته أحيانا إصدارات معتبرة، تجمع بين رصانة المحتوى وجودة التسويق وابتكارها.  «قاموس فكر السينما»، الذي صدرت طبعته الثانية في العام 2022، عن هيئة البحرين للثقافة والآثار، واحدٌ منها، الكتاب الأنيق بطباعته وإخراجه الداخلي  كتب محتواه (70) متخصصًا في حقول مختلفة، بإشراف الأستاذين الجامعيين أنطوان دي بيك وفليب شيفالييه، بترجمة معتبرة من عميد النقاد السينمائيين العرب إبراهيم
العريس.
 ولأن عنوان الكتاب عتبته الأولى، اذ يستطيع إشاريا فتح النص والكشف عن مغاليقه، وربما يضيء زواياه المعتمة، هذا يفسر تسميته بـ» قاموس فكر السينما»،  الذي هو أشبه بمانفستو بحسب بيك وشفاليه، فمن وجهة نظرهما «أن الكتابة عن السينما أضحت طريقة للتفكير، حيث أحاطت النظرية بصور الفيلم، وبدت كأنها تعيدها»، وبهذا بدت جملة جان لوك غودار الذهبية التي تقول «السينما، إنما فكرة تتخذ شكلا، وشكلا يفكر»،  ملهمة في اختيار العنوان، والسينما بهذا المعنى هي علم انساني كالفلسفة، والتاريخ، والأدب، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا.
وضم الكتاب ما يقرب عن الـ (400) مدخل؛ تعاقب على كتابتها (70) متخصصًا في مجالات مختلفة، وهي بحسب ما ورد في الموجز التعريفي لغلاف الكتاب الداخلي «مفاهيم أساسية»، و»منظرون نقاد»، و» سينمائيون مفكرون»، و»أفلام متميزة»، فمثلا تطرق الكتاب إلى (130) مفهوما «تنبني حولها وتتبلور، كل التأملات على شاكلة «الجماليات، والمكان، والحركة، والإبطاء، والمونتاج النهائي».
 كرّس الكتاب صفحاته لـ (110) نقّاد أعمالهم معترف بها عالميا، كما استعرض القاموس رؤى وأفكار (50) سينمائيا مفكرا، كتبوا قبل وبعد إخراجهم أفلاما، منهم بازوليني وجان لوك غودار  وسيرجي ايزنشتاين، وهؤلاء جميعا نظروا للسينما، وقدموا نظريات فيها طبقوها على أعمالهم السينمائية، وسلط الكتاب الضوء على (100) فيلم ، ربما هي ليست الأفضل في تاريخ السينما، لكن المشرفين على السفر الفريد، اختاروها من حيث ما كتب عنها، أو بكونها جزءا من مفهومية « فكر السينما»، على شاكلة «ذهب مع الريح»، و» بن هور» ، و» بلو اب»، وفيلم « السبات الطويل».
  الكتاب ينحى منحى فكريا وفلسفيا في محاولته لتأصيل مصطلح « فكر السينما»، ما جعله صعبا على المتلقي، لكن الذي جعل ذلك ممكنا هو أسلوب المترجم الفذ ابراهيم العريس (77 عاما)، فهو بالإضافة إلى كونه ناقدا سينمائيا؛ مؤرخا وباحثا ذا أسلوب أخاذ يجمع البساطة والعمق معا.