ميشال غانم لـ {الصباح}: العراق كان ولا يزال داعماً أولًا للثقافة والفن والإبداع

ثقافة 2023/07/24
...

 بيروت: غفران حداد

ميشال غانم ممثل ومخرج لبناني، أعماله الفنية تحتل الصدارة في نسبة المتابعة لدى الجمهور اللبناني والعربي، وحققت نجاحا كبيراً وخصوصا مسلسلات (زمن الشوك، عندما يبكي التراب، شوارع الذل، تقريبا قصة حب، الزوجة الأولى، الغالبون) وغيرها عشرات الأعمال،
جريدة "الصباح "حاورت غانم عن مشواره الفني في سياق المقابلة التالية.

 كيف كانت طفولة ميشال غانم؟ وكيف للوالد الراحل الصحافي والشاعر روبير غانم له تأثير بتكوين شخصيتك؟
- تلقيت نعمة طفولة جميلة، فقد امتلأت أيامي بالحب والإبداع. ترعرعت في جو يجمع بين العاطفة وتحدي الذات.
لقد ترك والدي الشاعر والفيلسوف روبير غانم أثرًا عميقًا في بناء شخصيتي، وكان لروح الفن والكلمة التي تنبع من داخله تأثير هائل على طريقة تفكيري ورؤيتي للعالم.
ومن جهة أخرى، تركت والدتي الراحلة، الأديبة والشاعرة الفرانكوفونية ناديا غانم، أيضًا تأثيرًا عظيمًا، حيث تعلمت منها قيم الجمال والتعبير الإبداعي، واكتشاف قدراتي الفنية وحرية التعبير عن نفسي بدون قيود.
بلا شك، كان لوالديّ الدور الأبرز في حياتي، وعكست تأثيره الإيجابي بوضوح.
وإلى جانب ذلك، فإن ثقافتهما العالية ساهمتا في تشكيل شخصيتي وقيمي الخاصة، مما دعم نموي الشخصي وترسيخ ثقافتي.

  قدمت عدة أعمال مميزة، لكن دورك في مسلسلات (الزوجة الأولى، تقريبا قصة حب، شوارع الذل، الغالبون) الابرز، وما زالت هذه الأعمال تحصد نسبة مشاهدات عالية عبر منصة اليوتيوب، برأيك ما سر نجاحها؟
- لقد تمكنت من تقديم مجموعة كبيرة من الأعمال الدرامية، التي حققت نجاحًا ملفتا في لبنان والعالم العربي. إن نسب المشاهدة العالية واستمرار نجاحها على منصة YouTube هما بالفعل إنجاز رائع.
وربما يمكن أن يكون السر وراء هذا النجاح هو قدرة هذه الأعمال على جذب الجمهور، واستحضار القضايا والمشكلات الاجتماعية، التي تهمهم.
بعلاوة عن ذلك، تميّزت هذه الإنتاجات الدرامية بتصويرها العميق للشخصيات والعلاقات الإنسانية.
فقد نجحت في خلق تعاطف قوي لدى المشاهدين، حيث يتم التركيز على التفاصيل النفسية والعواطف والصراعات الداخلية التي تمر بها الشخصيات.
وهذا يعزز التفاعل بين العمل الدرامي والجمهور ويجذب المشاهدين بشكل أكبر.
ومن الملفت للنظر أيضًا إلى أن معظم هذه الأعمال تتناول قضايا ومشكلات حقيقية في المجتمع، ما يعكس واقعًا معاصرًا، ويعزز الاتصال بين العمل الفني والمشاهدين.
وبالتركيز على هذه القضايا، تتمكن الأعمال الدرامية من إثارة الاهتمام وتفاعل الجمهور، حيث يشعرون بأنهم يتعرفون على تجاربهم الشخصية وقصصهم من خلال الشخصيات والأحداث.
بشكل عام، فإن النجاح الكبير الذي حققته هذه الأعمال الدرامية، يمكن تفسيره بتنوعها وعمقها وقدرتها على التواصل مع الجمهور.
فهي تعرض قضايا مهمة وتتعامل معها بشكل متقن، ما يخلق تأثيرًا إيجابيًا على المشاهدين، ويجعلهم يرتبطون بالأعمال بشكل عميق.

  ما الصعوبات والمعوقات التي تواجهك اليوم في الوسط الفني؟
- كما تعلمين، في هذا المجال، يواجه الممثلون العديد من التحديات والعقبات، التي قد تكون مشتركة بينهم. ومن بين هذه التحديات، نجد المنافسة الشديدة.
فصناعة التمثيل معروفة بأنها تتطلب منافسة شديدة، وهذا ينطبق على المجتمع العربي وحتى المجتمع الغربي.
فعادةً، يضطر بعض الممثلين إلى تقديم تنازلات مادية أو فنية من أجل المنافسة، وهذا الأمر لا يتوافق دائمًا مع مبادئي وأفكاري.
فأنا أسعى دائماً للتميز والتألق وتطوير أسلوب فريد يميزني عن غيري، وبالتالي قد لا تكون الاستجابة لهذه التنازلات مناسبة في بعض الأحيان.

 هل كان الاعلام العربي واللبناني يهتم بالفنان كما هو اليوم؟
- في الماضي، لم يكن هناك اهتمام كافٍ بالفنانين العرب في التغطية الإعلامية على مستوى المنطقة العربية. ومع ظهور القنوات الفضائية وزيادة عدد الإنتاجات المشتركة، زاد الاهتمام بالممثلين وأصبحوا جزءًا أساسيًا من التغطية الإعلامية.
استطاع الممثلون العرب واللبنانيون أن يحظوا بمزيد من الاهتمام من وسائل الإعلام والجمهور، وتمتعوا بحضور قوي في البرامج التلفزيونية والمجلات والمواقع الإلكترونية المتخصصة في الفن والترفيه.
يعتبر قطاع السينما والتلفزيون والمسرح من الصناعات المهمة في المنطقة العربية، ويحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور.
وبالتالي، فإن الأخبار والمقابلات والتقارير المتعلقة بالممثلين تلقى اهتماماً كبيراً من الجمهور، وتحظى بتغطية واسعة في وسائل الإعلام.
ومع ذلك، يجب ملاحظة أن الاهتمام بالممثلين يمكن أن يختلف من بلد لآخر ومن وسيلة إعلامية لأخرى. قد يتم التركيز بشكل خاص على الممثلين اللبنانيين في وسائل الإعلام اللبنانية، في حين قد يكون هناك اهتمام أكبر بالممثلين العرب في وسائل الإعلام العربية على مستوى الوطن العربي.
في النهاية، يمكننا القول بشكل عام إن الاهتمام بالممثلين مستمر في الإعلام اللبناني والعربي، وأنهم يعتبرون جزءًا مهمًا في صناعة الترفيه وثقافة المنطقة.

  ما هي المرحلة أو الفترة التي شعرت بها بأن التمثيل أو الفن بصورة عامة لم يقدم لك شيئا أو خذلك في مكان ما؟
- بدون شك، الفن قد أضفى الكثير على مسيرتي المهنية. لقد استمتعت بتلقي حب الناس وتقديرهم للأعمال الناجحة التي قدمتها طوال مسيرتي الفنية. بدوري، سعيت لتقديم أدوار مميزة، ولقد نجحت في ترك بصمتي الخاصة في كل عمل أقدمه.
ومع ذلك، يمكن للفنان أو الممثل أن يمر بفترات من الملل وقلة الاهتمام. فعندما يشعر المرء بالتكرار الممنهج والروتين في الأعمال الفنية التي تُعرض بشكل متكرر، قد يفقد الحماس والتفاؤل. للأسف، يوجد بعض الأشخاص غير المثقفين في المجال الفني، الذين يقومون بتقييم هذه المهنة بطريقة غير صحيحة.
هذه المواقف قد تؤدي إلى فترات من عدم الاكتراث وعدم المبالاة، نتيجة لعدم القدرة على إثبات وجهة نظرك الصحيحة.
من المؤسف أن هذه الأمور قد حدثت مع العديد من الفنانين المثقفين. وأود أن أشدد على كلمة "مثقفين" هنا، لأنها توضح أن هؤلاء الفنانين يفهمون ويحترمون الفن بشكل عميق.
قد يؤدي هذا الواقع إلى بعدهم عن الساحة الفنية لفترة، ولكن حبهم وشغفهم تجاه المهنة يجعلهما يعودون بقوة، لطرح أفكارهم المبتكرة وإضافة بصمة جديدة من خلال هذه الأفكار. لقد أحدثت أفكارهم التغييرات الجوهرية في هذا المجال.

• لو عاد بك الزمان مرة أخرى إلى الوراء هل ستختار الفن أم كنت ستتخذ لك مهنة أخرى؟
-إذا عُدتُ للوراء في الزمن، فلن أختار سوى الفن كمهنة لي. كما ذكرتُ سابقًا، يعتبر الفن ثقافة وإبداعًا قبل كل شيء، ولا توجد مهنة أخرى تُظهِر هذه الثقافة بالقدر نفسه من الفن بشكل عام. هو عبارة عن نمط حياة ورؤية مختلفة للعالم. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع كل شخص بشغف وحماسة تجاه مهنة ما، وقد يُعدُّ الفن وسيلة بجانب مهنته لتعبيره عن هذا الشغف.
ولكن عندما يكون الفن هو ملاذي الأول والأخير، وأنا أغوص فيه من خلال الدراسة والاحتراف، فإنني أحقق توليفة مثالية. إنها التخصص في مهنة أعشقها وأمارسها بشغف.

 ماهي أهم جائزة نالها ميشال غانم؟
- تشرّفت بالحصول على عدة جوائز وتكريمات من قبل منظمات ثقافية بارزة ومرجعيات دينية مرموقة في لبنان والخارج. ومع ذلك، أود أن أؤكد أنني لا أُفضِّل تمييز أي فرد بعينه، إذا كانت هذه التكريمات تكريماً لجهودي الفنية والمساهمات التي قدمتها. وأشعر بامتنانٍ عميق وتقدير كبير لكل تلك الجوائز والتكريمات، التي أُهدِيت لي، فهي تعكس تقديرهم العميق للجهود التي بذلتها كفنان.
ومع ذلك، فإن الجائزة الأهم بالنسبة لي والتكريم الأعظم هو حب وتقدير الناس.
فهذا التكريم يدوم مدى الحياة ويظل شاهداً على التأثير الذي تركته أعمالي وإسهاماتي في قلوب الناس. إن الشعور بتقدير الجمهور ومحبتهم هو أعظم مكافأة يمكن أن يحصل عليها أي فنان، وهو ما يدفعني للمضي قدماً في مسيرتي الفنية والمهنية بكل تفانٍ وإخلاص.

 هل هناك شخصية أديتها وشعرت أنها قريبة من حياتك يوما ما؟ وما هي؟
- بلا شك، كل شخصية أدّيتها كممثل استوحيت شيئًا من عمقي الداخلي، وبثيْتُ فيها جوهر وجداني الخاص، وأضفت لها توقيعي الخاص. ليس من الضروري أن تتشابه جميع الشخصيات التي أؤديها  كممثل، ففي بعض الأحيان يتوجب عليّ أن أؤدي شخصيات قاسية جدًا ومنغلقة على الحوار، وهذا لا يعكس طبيعتي الحقيقية، فأنا شخص بطبعي حنون ومتفهم ومنفتح على الحوار إلى أبعد حدود. هنا يأتي دور براعة الممثل في تجسيد الشخصية.
بلا شك، يجب على الممثل أن يكون قد خاض تجارب عديدة في حياته، ليكون بارعًا في تقديم أي شخصية يُطلب منه تجسيدها.
على سبيل المثال، قدمت أداءً بطوليا في مسلسل عام 2008 بعنوان "بين الحب والتراب"،  Between Sand & Love"والذي تم عرضه في عدة دول عربية وأجنبية وبالطبع تمت دبلجته.
وفي هذا المسلسل، كانت الشخصية الرئيسية التي أدّيتها تشبهني إلى حدٍ ما، خاصة في الثقافة والطيبة والشجاعة والتزامها بالمواقف مهما كانت التضحيات المطلوبة، والأهم من ذلك هو تقدير الأرض التي نشأت عليها.
 حملت لبنان من خلال عدة أعمال عربية مشتركة إلى العالم أجمع، هل لبنان يحملك اليوم؟
- لبنان، بلد الأرز الذي يتوشح جمالاً منذ آلاف السنين، قد أعطانا إرثاً حضارياً عظيماً يستحق الفخر. إنه أرض تأسست عليها الثقافة والفلسفة والفن والموسيقى والعلوم، وأثّرت في عقول وقلوب الناس حول العالم.
 يجب أن ندرك أنه ليس من حقنا أن نلقي باللوم على وطننا، فالبلد ليس مجرد مكانٍ يحملنا، بل هو أرض أعطتنا كل ما نحتاجه لتشكيل هويتنا وأنفسنا.
لبنان، الذي ذاع صيته وسط المجتمع العالمي، يواجه اليوم تحديات في إدارته واستدامته.
 ومع ذلك، فإن القدرات والمواهب التي نشأت على أرضه وصنعت منه واحةً للعلم والفن، لا تُنكر بأي حال من الأحوال.
فقد أسهم لبنان في إثراء الحضارة العربية بأدبائه وفلاسفته وفنانيه وعلمائه، وكان مصدر إلهام للجميع.
في لبنان، تولدت هويتنا وترعرعت مشاعر الانتماء لدينا، حيث تجتمع العناصر الثقافية والتاريخية والطبيعية بشكلٍ فريد.
وكما قال الشاعر والفيلسوف روبير غانم، :"الانتماء إلى لبنان مجدٌ لا يتكرر مَرَّتَين". واليوم، وطني لبنان يشبه الأب العجوز الذي يحتاج إلى رعايتنا وحمايتنا، بعدما حملنا وعلمنا وأعطانا كل ما يكفي لبناء هويتنا.
لذا، يتوجب علينا أن نقف بجانب وطننا في هذه اللحظات الصعبة، وأن نعطيه ما يستحقه من دعم وحب، لنحافظ على هذا الإرث العظيم ونسهم في تنميته. لبنان ليس مجرد قطعة أرضٍ، بل هو جوهرةٌ نادرة تحتاج إلى عنايةٍ وتقديرٍ منا، حتى يستمر بإشراقته وتألقه على صعيدالعالم.

  ما آلية الموافقة في الاشتراك بعمل جديد، هل النص الجيد؟ ام عروض المال؟
- بصراحة، لا تغريني العروض المالية إذا كان النص غير جيد، والقصة غير متشابكة، والشخصيات لا تعبر عن أي شيء. بالطبع، لست أقول إنني لا أطلب أجرًا يليق بعملي، ولكن يبقى النص هو الأساس الذي يستند إليه أي عمل يتم تقديمه لي.

  كيف تقيّم مستوى الدراما اللبنانية
على صعيد الإنتاج والإخراج وأداء الممثلين اليوم؟
- لا شك أن الدراما اللبنانية قد شهدت تحولًا كبيرًا واستطاعت أن تحتل مكانة مرموقة في الصدارة.
فقد تميزت بجودة إنتاجها وسخاء إخراجها، إضافة إلى التعاون مع مجموعة من المخرجين والممثلين المبدعين من جنسيات عربية مختلفة، ما أضاف طابعًا متنوعًا وثراءً للأعمال المعروضة حاليًا. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الواقع المؤسف لوجود بعض الإنتاجات، التي أصبحت مملة وتكرر نمطياً على شاشات التلفزيون
العربية.

  ماذا يعني لك العراق؟ وكيف هي علاقتك الجمهور العراقي؟
- العراق، الذي كان ولا يزال داعمًا أولًا للثقافة والفن والإبداع، منذ العصور القديمة، كان العراق مهدًا للحضارات ومركزًا للثقافة والفنون.
تأتي ثقافة العراق الغنية من تنوعها وتأثيرها على المنطقة بأكملها، حيث شهد العراق تطورًا ثقافيًا وفنيًا لا مثيل له.
وما يجعل العراق فريدًا هو الروح الجماعية والاحترام العميق الذي يتحلى به الجمهور العراقي للفنانين والمبدعين. يعكس هذا الجمهور الرفيع ذوقه المتطور في اختيار الأعمال الفنية ويقدر الجودة والموهبة الحقيقية. بفضل هذه الروح الداعمة، يشعر الفنانون بالتحفيز والإلهام لمواصلة إبداعهم وتقديم الأفضل دائمًا.
لذا، فإني أجد في العراق وجهًا آخر للبلد الذي يتميز بالتراث الثقافي العريق والروح الفنية المتأصلة في نسيجه. وأنا ممتن لصداقاتي العراقية وللعلاقات القوية التي تربطني بهم، فهم يمثلون القيم الحقيقية للمودة والاحترام والتواصل البناء.

 هل تشاهد الدراما العراقية؟ من يعجبك من اداء الممثلين والمخرجين العراقيين؟
-أود أن أعتذر عن عدم قدرتي حاليًا على متابعة الأعمال الدرامية العراقية، وأيضًا الأعمال الدرامية اللبنانية والعربية بشكل عام. يعود ذلك إلى ضيق الوقت الذي أملكه وتركيزي على مشاريعي الخاصة والالتزامات الشخصية التي أواجهها في الوقت الحالي. ومع ذلك، أرغب في التأكيد على أنني أحترم وأقدر كل العائلة الفنية في العراق. إن ابداعاتهم وجهودهم في صناعة الفن تستحق كل التقدير والاحترام.

  لو عرض عليك دورا في مسلسل عراقي باللهجة العراقية هل توافق؟
- بصراحة، لم يحدث سابقًا أن قدمت أي دور تمثيلي يتطلب استخدام اللهجة العراقية. ومع ذلك، قد يكون من الممكن استخدام هذه اللهجة إذا سمحت القصة بذلك، وإذا كانت الشخصية مرتبطة بشكل ما بتاريخ يجمع بين البلدين.

 أين ميشال غانم اليوم وماذا يعد من أعمال للغد؟
-في الوقت الحالي، أجد نفسي متفرغاً تمامًا لإعداد وتنفيذ مشروع ثقافي مميز، يرتبط بشكل أساسي بالفن. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء منه وإطلاقه في الأشهر القادمة، إن شاء الله. هذا المشروع سيتميز بجوانبه الفنية، البارزة وسيكون له تأثير
واضح وإيجابي على المجتمع.
أعمل جاهدًا للوفاء بالتوقعات وتحقيق نجاح هذا المشروع المهم.