أربيل: رائد العكيلي
منظور جديد لفهم المجتمع العراقي، هو عنوان كتاب الدكتور منقذ داغر الذي تم توقيعه في قاعة فندق رامادا في أربيل بجلسة حوارية حضرها جمع من الأدباء والمثقفين.
ووصف الدكتور عبدالحميد الصائح المنهاج الذي تضمنه الكتاب في حوار الجلسة الذي أداره بأنّه: اجتهاد شجاع للخوض في غمار قضية تتعلق بالمجتمع العراقي، بتحولاته وسماته وبالمؤثرات المختلفة التي انتجت منه سلوكيات عدة. وتبنى الكتاب، بحسب الصائح، نظرية حديثة في علم النفس الاجتماعي لم يتم تطبيقها في العراق للمساعدة في تفسير ثقافته الاجتماعية، وهي نظرية الثقافة الاجتماعية المتصلّبة والرخوة للدكتورة ميشيل غيلفاند، حيث شاركه الدكتور منقذ في تأليف هذا الكتاب، فإنه لا يمكن فهم السلوك الإنساني بمعزلة عن الثقافة الاجتماعية، ولذلك كان البحث الذي نص عليه الكتاب هو «كيف تتأسس هذه الثقافة، وما هي المؤثرات التي تنتجها، وهل هي مستقرة على مدى التاريخ أم أنها تتأثر بالحروب والاوبئة والانظمة السياسيّة».
وقد ورد في الكتاب أيضاً مناقشة جريئة لكثير من طروحات الراحل علي الوردي حول المجتمع العراقي، فعرف الكتاب مفهوم التصلّب لدى المجتمعات بأنّها «المجتمعات التي لاتسمح بانحراف أي شيء من معاييرها، ولا تقبل الآخر واجتهاداته الجديدة بعكس المجتمعات الرخوة التي تقبل الآخر وتكون مهيأة للتغيير بناءاً على المستجدات الجديدة التي تتكون لديها». وسط هذا التشابك العلمي والتشعّب السياسي يفتح هذا الكتاب جبهة جديدة للحوار وتجديد النقاش حول أساس الشخصية العراقية، فهل التصلّب متأصل في الشخصية وجيناتها المتوارثة أم انه موقف سببه الظروف التي أحاطة بها، وكيف يمكن أن نصل الى تشخيص يستقر طويلاً حول ما مر به العراقيون لألفي عام منصرمة من تقويض للهوية الوطنية وتوظيف للقدرات والخضوع والاذعان للاحتلالات المتنوعة والأفكار الوافدة والحروب المستعارة التي قسمت المجتمع في أكثر من مرحلة وموقف حتى أصبح العراقيون أشهر الشعوب التي تنقسم في كل شيء لغياب الرمزية والمركزية الموحدة.
كل هذه الأسئلة أجاب عنها هذا الكتاب من خلال العديد من النظريات والاحصائيات الرقمية الدقيقة لعدد كبير ومتنوع من الشخصيات العراقية على مختلف المستويات والطبقات التي تم اختبارها، ومن جميع المحافظات العراقية. ومن خلال عنوان الكتاب جمع المؤلف هذه الثلاثية الأشكالية الحادة بتعدد المناهج في نظرية الكتاب كالمنهج التحليلي والمنهج الوصفي، وجزء من المنهج التاريخي للوصول الى النتائج عن طريق البحث في عمق المؤثرات التاريخية، وما تعرض له إنسان هذه الأرض من متغيرات وضغوط وأحداث واحتلالات أسهمت في التقلّبات النفسية والسلوك الاجتماعي له فيما بعد، بمقياس الاستبيان للتوصل الى آراء مباشرة من العينات يمكن إحصاؤها واستنباط مؤشرات منها خاصةً ما يتصل بالبحث عن الهوية العراقية الجامعة في ظل هذا المزيج التاريخي الاجتماعي العقائدي والطبيعي، وتأثيرات البيئة والمناخ إلى الوضع الإنساني والأمني وصولاً إلى السلوك الحكومي الحالي وعلاقة السلطة بالمعارضة وبالباحث الذي أراد أرضية واسعة لبحثه متنقلا من العراق القديم وأساطيره إلى تأسيس الدولة العراقيَّة الحديثة المتمثلة بالملك فيصل الذي اسماه الباحث
بالمؤسس.
كما وتحدث الكاتب منقذ داغر لـ «الصباح» قائلاً: أنا من المعجبين بكتب علي الوردي وأطروحاته التي كانت فكرتها الرئيسة والتي تتبادر بذهني «من أين أتى علي الوردي بهذه الجراءة للتحدث عن الشخصية الراقية؟» وهو يتنقل بين جامعة بغداد ومقاهي الكاظمية، فهذا الرجل العبقري لم تتح له الظروف لكي يتجول في أروقة العقل العراقي بشكل موسع ومكثف، فمنذ أكثر من عشرين عاماً اختط لنفسي منهجا كميا يؤمن بلغة الأرقام لا بلغة الوصف، وهذا ما اعتمدته في بحثي لهذه الأطروحات،
وفقاً لرأيه.