مسرحيَّة أيوب وأفقيَّة العرض

ثقافة 2023/07/31
...

  أ. د. باسم الاعسم


لقد هيمن المسرد اللفظي على نص مسرحية (أيوب) تأليف الراحل سعد هدابي، وإخراج عبد الأمير الصغير، والتي قدمت ضمن عروض مهرجان الطف المسرحي، دورة الفنان احسان التلال. الذي أقيم في محافظة النجف الأشرف للمدة من 16 ولغاية 20 تموز 2023.ومن العلامات الاشهارية احتشاد النص بكم هائل من الأحداث والذكريات والمواقف، والتفاصيل الحياتيَّة، التي شكلت بمجموعها شخصية أيوب الرئيسة، التي أريد لها أن تكون نموذجاً للفرد العراقي، والمثقف خاصة، الذي عانى من ويلات الحرب والاقصاء والتهجير إبان غزو العراق من قبل قوى التحالف، مما اضطر أيوب إلى الهجرة بحثا عن الحرية، بعدما فقد هويته، أو أناه المستلبة، فراح يدور في حركته الموضعية، وسط فضاء سينوغرافي معتم، وموحش، دال على خيمة للمهاجرين صممه الفنان المقتدر (بشار طعمة) ليترجم قلق الشخصية، ومعاناتها، وسط خيمة أريد لها الدلالة على حالات عدة، كالبحر، والحلم، والليل، وبرودة المكان، وحرارته أو احمراره، عندما تذكر الحرب، فضلاً عن البقع الضوئية لتسليط الضوء على جسامة الأحداث الرئيسة، وبذلك تحددت جغرافية المكان.

يترجم متن النص، ونص العرض، السؤال الوجودي المتكرر على لسان أيوب المستلب، ونصه: من أنا؟! ليجسد بحثه عن المستحيل، قبالة أناس ليس في قاموسهم كلمة الممكن، وقد تمثل ذلك في شخصية المراقبة الدولية وقد مثلتها إسراء ياسين الممثلة القديرة التي لعبت الدور بوعي كبير فجسدت الشخصية على وفق أداء منضبط، بوصفها الضد النوعي المباشر لشخصية أيوب، على الرغم من ضيق مساحة اشتغالاتها الأدائية، لكنها تفرّدت حتى حازت جائزة لجمال دورها، وحسن تقمصها للشخصية.

أراد المؤلف أن يؤكد للقراء وللجمهور معاً، أن أيوب قد هرم، وماتت ذاكرته المرة والمريرة، منذ أن كانت والدته تقص عليه حكايات جحا والحمار، وياسمينة، والسندباد، كيما ينام في حجرها، لينسى ما عاناه طوال حياته، كموت أخيه في الحرب، حتى امتلأت ذاكرته بالخراب والهموم القاسيات، بحيث أنه بات لا يعرف من هو، ولا يملك شيئاً سوى ثروته التي في رأسه، وفي ذلك إشارة إلى كونه مثقفاً، مثقلاً بالوعي، والهموم، فتطوى سنوات عمره المكدود، ويموت خارج وطنه، على الحدود، بعد أن حلم في العودة إلى رحم أمه، وطنه، الذي استوطنته الأغراب، فيتعالى صوت المؤثر الموسيقي صادحاً بصوت المطرب حسام الرسام، وأغنيته الشهيرة (عندي وطن) فيستحيل إلى جثة هامدة وسط خيمة المهاجرين.  هذا الحدث يؤسس تراجيديَّة النصّ، فضلاً عن استطالة السرد، الذي انعكس بنحو سلبي على أفعال الشخصية، فقدم العرض على وفق آلية أفقية افتقرت إلى التنويع الأدائي المتقن بالنسبة للشخصية الرئيسة أيوب، التي جسدها المخرج نفسه عبد الأمير الصغير، الذي كان متعباً، مع محدوديّة طاقته الصوتيّة. وكم كنا نأمل ان يتعزز العرض بالافعال والتكوينات البصرية، ذات الصور المتنوعة، والمدهشة، والمؤثرة، كما يفترض، لكي تخفف من وطأة السرد الذي أثقل منظومة الأداء، وحال من دون تحقيق أعلى مستويات المتلقي والاستجابة في عرض اكتظ بالثنائيات المتقابلة (الحرية، القيود الفتاة، الشاب، الحرب، السلام، الخارج، الداخل، الموت، الحياة)، وسوى ذلك.باختصار، أن العرض قد افتقر إلى جمالية الأداء التي تعد المرتكز الرئيس في منظومة خطاب العرض المسرحي، فمن دونها يستحيل العرض الى قبح عارم.