{مواجهة عند الظهيرة}.. عشقه ريغان وأعاد عرضه بيل كلنتون17 مرة

ثقافة 2023/07/31
...

  سكوت توباياس 

  ترجمة وإعداد: أنيس الصفار                                        

                                    

فيلم "مواجهة عند الظهيرة" للمخرج فريد زمرمان من أفلام الغرب الأميركي الكثيرة، ولكنه ليس فيلماً عادياً لأنه عمل واعٍ محمل بشحنة سياسية عالية. عشاق هذا الفيلم المرموقون كثر ومن بينهم اثنان من رؤساء الولايات المتحدة، الأول "رونالد ريغان"، الذي كان يعتبره فيلمه المفضل، والثاني "بيل كلنتون" الذي يقال إنه أعاد عرضه 17 مرة خلال الفترة التي قضاها في البيت الأبيض وكان يدعو ضيوفاً لمشاهدته معه. ليس من الصعب أن نفهم لمَ يرى قادة دول أنفسهم وكأنهم في موقف بطل الفيلم "ويل كين" (يقوم بالدور الممثل "غاري كوبر"). "ويل كين"، وهو المارشال المسؤول عن حفظ النظام والقانون في بلدة صغيرة في "نيو مكسيكو"، يقرر الثبات على الحق وفعل ما يراه صواباً، حتى لو اضطر لتحدي إرادة أهالي البلدة. أي قائد أو زعيم لابد أن يتعرض لأوقات معينة كهذه يشعر فيها بالعزلة عن الجماهير وبأنه مرغم على اتخاذ قرار صعب بين خيارين كلاهما مر.

لكن اصرار كين على فعل الصواب ليس سوى نصف الحكاية، وهذا يفسر شغف رجال من أمثال ريغان وكلنتون بالفيلم بكل تلك الحرارة. فالإيحاء الآخر، والأشد قتامة، الذي يلمح إليه فيلم "مواجهة عند الظهيرة" هو أن أهالي البلدة أنفسهم ليسوا أهلاً لمثل هذه المبدئية، فحين يطلب من الناس العاديين أن يقدموا التضحيات ويتحملوا بعض المسؤولية في شأن يمس حياتهم العامة يميل معظمهم إلى التنصل طمعاً في الحفاظ على مصالح خاصة. وفي نهاية الأمر يضطر كين إلى المخاطرة بحياته لإنقاذ بلدة لا تستحق الانقاذ.

"مواجهة عند الظهيرة" فيلم مختلف عما عهدناه في أفلام الغرب، فهو لا يتضمن مشاهد عنف فعلي حتى تحل لحظة الذروة وتقع المواجهة المرتقبة. فهو إذن أقرب إلى دراما تدور أحداثها في بيئة الغرب الأميركي القديم، لكنه مع هذا مفعم بالشد النفسي والشعور بالخطر حين يتابع المشاهد المارشال كين وهو يستميت لدفع الخطر الداهم الذي ستتجاوز تداعياته مصيره كفرد بكثير، وهو ما تعبر عنه إحدى شخصيات الفيلم بالقول: "بموته ستموت هذه البلدة معه."

تتكشف الإثارة صفحة بعد صفحة مع نبض اللحظات، وهذا السباق مع عقرب الساعة يصعّد مستوى الشد والترقب رغم قلة ما يتضمنه الفيلم من مغامرة وحركة. فذلك اليوم بالذات كان يفترض أن يكون يوماً سعيداً في حياة كين لأنه آخر أيامه في بلدة "هادليفيل". فهو بعد أن أنهى الفترة المقررة له كمارشال للبلدة وتسليمه نجمته المعدنية إلى خلفه انصرف يعدّ العدة لحياته الجديدة مع الشابة الحسناء "أيمي" (تقوم بالدور "غريس كيلي") التي عقد قرانه عليها في ذلك الصباح. ولكن قبل مغادرة الزوجين السعيدين البلدة يتلقى كين خبراً يقول إن "فرانك ميلر"، وهو مجرم كان قد أودعه السجن لارتكابه جريمة قتل، قد حصل على إطلاق سراح مبكر وأنه عائد إلى "هادليفيل" في قطار الظهر بنيّة الانتقام. وفي المحطة سينتظر ميلر ثلاثة من أشرس أتباعه، وأمل كين في التغلب عليهم بمفرده لا يزيد على صفر.

يقضي كين الشطر الأعظم من الفيلم متنقلاً في البلدة محاولاً جمع عدد كافٍ من الرجال لتشكيل فرقة لمواجهة التهديد. ذراعه الأيمن المعتمد في هذا المسعى هو معاونه الشاب هارفي الذي نصبه خلفاً له، أما المخمورون وحثالات صالون البلدة فهم أبعد ما يكونون عن التطوع لأسباب شتى. تبقى الكنيسة وأتباعها، وهؤلاء متعاطفون مع كين ولكن بينهم من يتساءل لماذا يطلب منهم القيام بواجبات رجال القانون، بينما يتساءل آخرون لماذا لا يرحل كين عن البلدة ببساطة، كما كانت نيته ابتداء. فإذا كانت خصومة ميلر مع كين دون سواه، فإن رحيله عن البلدة سيكفي الجميع الخطر.

لعل الأنكى من ذلك كله هو تخلي زوجة كين الجديدة عنه هي أيضاً. فبعد أقل من ساعتين على زواجهما تقرر ايمي مغادرة البلدة بالقطار نفسه الذي سيأتي بميلر، ودوافعها لذلك أكثر تعقيداً مما تبدو عليه.

الإشارات السياسية في الفيلم أشبه باختبار رورشاخ، فحين النظر إليه من زاوية معينة يبدو فيلماً ينتقد المكارثية والدعوة لرفض العنف والالتزام بالواجب المدني وتفنيد الحجج الداعية إلى نبذ استخدام القوة إلا في حالة الضرورة. ولكنه من زاوية أخرى فيلم يدافع بصلابة عن القانون النظام، لذا يبدو كين وكأنه يمثل الخط الدقيق الفاصل بين المجتمع المتمدن المطمئن والفوضى الدموية التي كانت سمة الغرب في ذلك الزمن. 

بعد أكثر من 70 عاماً على إنتاجه يبقى "مواجهة عند الظهيرة" فيلماً معبراً عن جدلية أميركية أساسية، فأحداثه تقع في نقطة من التاريخ عندما كانت أميركا في بداية ترويض الغرب الجامح، وعندما كان على بلدات مثل "هادليفيل" أن تحسم مواقفها بين المصالح الخاصة وما يمليه عليها التحضر المدني. ربما كانت "هادليفيل" تناضل لاجتياز هذا الامتحان، ولكن القادة الذين يتصفون بالصلابة أمثال كين لديهم القدرة على شد الناس والسير بهم في الاتجاه الصحيح. وفي بلد متقلب حديث السن مثل الولايات المتحدة ستكون هناك دائماً "مواجهة عند الظهيرة" في مكان ما. 

في العام 1989 اختارت "مكتبة الكونغرس فيلم "مواجهة عند الظهيرة" باعتباره واحداً من 25 فيلماً جديرة بالحفظ في السجل الوطني للأفلام في الولايات المتحدة نظراً لأهميته "الثقافية والتاريخية والأخلاقية" - موسوعة ويكيبيديا.


عن صحيفة الغارديان