علي حمود الحسن
تجنب صناع السينما المصرية خصوصاً، والعربية عموماً، الاقتراب من الأفلام، التي تتناول التاريخ الديني والعقائدي الإسلامي القديم والحديث، لأسباب كثيرة منها ما يخص الإنتاج، وأخرى تتعلق بالرقابة، فهذه الأفلام تحتاج إلى تمويل إنتاجي كبير ورؤوس أموال ضخمة، لأن طبيعتها ملحمية، فلا بد من اختيار وبناء مواقع تصوير خارجيَّة وداخليَّة باذخة، وربما تستوجب بناء مدن، وكذلك نوع الملابس والإكسسوارات، التي تناسب المرحلة التاريخية، مثلما حصل في فيلم "الرسالة" (1976) لمصطفى العقاد، أو ما فعله منتجو الفيلم الإيراني "محمد رسول الله" (2015) لمجيد مجيدي، بتشييد نموذج مكة والمدينة المنورة، حيث صُورت أكثر من 70 بالمئة من مشاهد الفيلم فيهما، قبل ذلك أنتجت السينما المصرية أفلاماً بسيطة وساذجة، فيها الكثير من المغالطات والصور النمطية، عدا قلة، فعلى مدار أكثر من 100 عام لم تنتج السينما المصرية، إلا 13 فيلماً، أولها "ظهور الإسلام" (1951) عن قصة "الوعد الحق" لطه حسين، وآخرها "الشيماء"(1972) للمخرج نيازي مصطفى، ويبدو مناسباً أن نذكر فيلماً عربياً بعنوان "حياة وآلام المسيح" أنتج في العام 1938، ويعدُّ الأول وربما الأخير في إنتاج فيلم يتناول السيرة العطرة لعيسى ابن مريم .
وشح إنتاج الأفلام الدينية العربية يعود في تقديري إلى التابوات الدينية، وإشكالية التجسيد التي لم ينجح الفقهاء في تكيفها، عدا قلة، فما زالت الفتاوى التي أصدرها الأزهر الشريف، رداً على محاولة يوسف وهبي في تمثيل فيلم من إخراج التركي وداد عرفة عن حياة الرسول الأكرم، إذ كانت الفتوى واضحة بتحريم كل من يجسد الرسول محمد (ص) والصحابة وأمهات المؤمنين، وثمة فتوى وردت بناءً على سؤال عن تجسيد نبي الله يوسف في مسلسل إيراني بالاسم ذاته، فحواها: "لا يجوز تمثيل الرسل والأنبياء، وهذا لازم لتصوير قصصهم، فلا يجوز الإقدام على ذلك، لما يترتب عليه من المفاسد"، وهذه الفتوى ساندها وعاضدها مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة كبار العلماء في السعودية، بينما اتسمت فتاوى المذهب الشيعي بالعقلانية والمرونة، خصوصاً ما جاء في رد المرجع الأعلى السيد السيستاني على سائل بشأن إجازة تمثيل الأنبياء والصحابة من دون هالة، فأجاب: "لا يرخص في ذلك"، مشترطاً "ألا يسيء تمثيل شخصيات الأنبياء والأئمة إلى مقاماتهم وصورهم المقدسة في النفوس ولو في الزمن المستقبل"، كذلك ما جاء في بعض أطروحات العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله بهذا الشأن، وهذا يفسر تجسيد الإيرانيين للأنبياء والرسل وبعض من الصحابة، في مسلسلاتهم وأفلامهم: على شاكلة "يوسف"، و"أهل الكهف"، و"مريم"، فضلاً عن رائعة مجيد مجيدي"محمد رسول" الذي جسد فيه النبي محمد(ص) في طفولته.