آثار الحداد على الإمام الحُسين {ع} في منظور علم النفس

منصة 2023/08/02
...

  د. ياسين طرار غند                         

من أهم الفوائد المستمدة من مراسم الحداد على الامام الحسين (عليه السلام ) هو الآثار النفسي. معظم الأشخاص الذين يشاركون في تجمعات الحداد يفعلون ذلك برغبة في اكتساب فوائد نفسية وعاطفية.

ومع ذلك، يقول البعض إن إقامة مراسم الحداد وإقامة العديد من طقوس الحزن على مدار العام يحرم المجتمع من السعادة والفرح. وهم يؤكدون أن هذه الممارسات تجعل الناس يشعرون بمزيد من التعاسة والحزن، وفي الواقع تسبب المزيد من الإحباط والاكتئاب في المجتمع. في هذا القسم، سوف ندرس ونحلل هذه المسألة.

يمر الحداد بمرحلة الحزن والبكاء ويكون بمظهرين هما: خارجي وداخلي. مظهره الخارجي فسيولوجي، وهو نتيجة لتأثيرات نفسية عن طريق محفزات خارجية أو داخلية، مثل التفكير والتفكير. تدخل هذه التأثيرات النفسية في فسيولوجيا الدماغ والأعصاب وتنشط جزءًا خاصًا من الدماغ يرسل رسائل إلى الغدد الدمعية لتنشيط العينين. والنتيجة أن الدموع تتدفق وهذا ما يعرف بالبكاء. 

يشمل المظهر الداخلي أو العقلي للبكاء آثاره النفسية الداخلية. وجهة النظر النفسية التي نتفق عليها هي أن البكاء يؤسس مشاعر حنونة وخيرة. ويؤكّد البكاء في الأحاديث النبوية، إلى الحد الذي يقال فيه إن البكاء، أو البكاء، أو حتى النوح عند حضور الشخص مراسم عزاء الإمام الحسين (ع)، هو مصدر نفع دنيوي وسماوي. هنا ما هو ضمني هو التأثيرات الداخلية.

تنقسم العواقب النفسية الداخلية للبكاء إلى أربعة أنواع. الأول موجه للذات واحتياجاتها المكبوتة. يمكن أن يؤدي هذا النوع من البكاء إلى زيادة حدة الاكتئاب ويمكن أن يتسبب أيضًا في اضطراب أو تشويش القدرات الاجتماعية للفرد. 

ومع ذلك، فإن الأنواع الثلاثة الأخرى من البكاء مشجعة ومحفزة، لأن لها علاقة عكسية مع الحزن والاكتئاب. 

النوع الأول من البكاء هو نتيجة حزن حقيقي ناتج، على سبيل المثال، عن طريق الموت. لكن الأنواع الثلاثة الأخرى لا تملك حزنًا حقيقيًا للأحداث الحالية، على الرغم من أنها تحدث في مراسم الحداد الحالية. أنواع البكاء الأربعة هي:

اولاً: البكاء نتيجة العلاقة والمودة: يحدث هذا النوع من البكاء بسبب مشكلات أو عند حدوث أحداث مأساوية، مثل فجيعة الحبيب. 

والبكاء من هذا النوع لا يحدث عادة بمحض إرادته، ولكنه يحدث بشكل لا إرادي. يُطلق على هذا النوع من البكاء، في مصطلحات علماء النفس والمعالجين النفسيين، إفراغًا نفسيًا أو إطلاقًا عاطفيًا للمشاعر المثارة ويرتبط بالفرد واحتياجاته المكبوتة أو غير المحققة.

ثانياً: البكاء نتيجة الإيمان: وهذا النوع من البكاء هو بكاء الشخص الذي يذرف الدموع أثناء الدعاء وهو يقيم أعماله وظروفه الحالية والمستقبلية. هذا النوع من البكاء له جذوره في الإيمان والأيديولوجيا، ولا علاقة له بالمخاوف بشأن هذا العالم وحياتنا اليومية.

ثالثاً: البكاء سعيا وراء الكمال والتميز: أحياناً يكون البكاء نتيجة البحث عن الفضيلة والكمال الأخلاقي، كالبكاء الذي يحدث عند مغادرة معلم أو مرشد أخلاقي أو نبي أو إمام أو أي شخص ذي مكانة أخلاقية عالية. هذا النوع من البكاء ينظر إلى الأشياء من هذا المنظور أننا، في أعمق فترات الاستراحة في قلوبنا، لدينا إعجاب قوي بالكمال والنمو الروحي. نشعر بالارتباك عندما تتوفر هذه الأنواع من الكمال، ونشعر بالحزن عندما نفقدها. البكاء الذي يحدث في مراسم عاشوراء يكون أحيانًا من هذا النوع.

رابعاً: بكاء المضطهدين: في هذا النوع من البكاء، نشعر بالتعاطف مع من يُعامل ظلمًا أو غير إنساني مثلما نبكي بسبب الظلم القاسي الذي فرض على الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام)، لا سيما القمع الوحشي الذي تعرض له سيد الشهداء، الإمام الحسين عليه السلام.

ومن هنا يفسر المنظور النفسي البكاء والحزن ويتم تصنيفهن على ثلاث مجموعات رئيسية: الاكتئاب الشديد. والاكتئاب المعتاد. والاكتئاب الظرفية. الاكتئاب الشديد هو أكثر أنواع الاكتئاب حدة. ومن علاماته ما يلي: الشعور بالحزن أو الفراغ أو عدم القصد في الجزء الأكبر من اليوم أو حتى طوال اليوم. انخفاض ملحوظ وواضح في الاهتمام بالأنشطة اليومية والاستمتاع بها في الجزء الأفضل من اليوم. انخفاض ملحوظ في وزن الجسم دون الامتناع عن الطعام أو زيادة ملحوظة في وزن الجسم خلال شهر واحد. 

عدم القدرة على النوم (الأرق) أو النعاس طوال اليوم. التعب وفقدان الطاقة معظم اليوم. عدم تقدير الذات أو الشعور المفرط بالذنب. انخفاض في القدرات العقلية وعدم التركيز وعدم القدرة على اتخاذ القرارات. تكرار الأفكار عن الموت.

عند النظر في هذه الأنواع الثلاثة من الاكتئاب، يتضح أن النوعين الأول والثالث لا يقصدهما أولئك الذين يقولون إن مراسم الحداد في عاشوراء هي سبب للأسى والاكتئاب في المجتمع.

النوع الأول متطرف ومن الواضح أنه من غير الصحيح الادعاء بأن المجتمعات الشيعية تعاني على نطاق واسع من الاكتئاب والحزن الشديد أو المزمن. النوع الثالث من الاكتئاب لا يقصده المشككون أيضًا لأنه مرتبط بحالات خاصة ومحددة مثل متلازمة ما قبل الحيض (PMS) أو الاضطرابات الاكتئابية التي تتبع الضائقة النفسية مثل الفصام.

لذلك، فإن الاكتئاب والحزن المعتاد هو ما يقصده النقاد. الاكتئاب المعتاد طفيف نسبيًا وله الميزات التالية:  قلة الشهية أو الشهية المفرطة. قلة النوم (الأرق) أو النعاس المفرط. قلة الطاقة أو التعب المفرط. 

صعوبة في اتخاذ القرار أو الشعور بالعجز. ظهور أو ظهور هذه الأعراض في الجزء الأكبر من اليوم أو في معظم الأيام لمدة عامين على الأقل. 

الأعراض ليست نتيجة تأثيرات فسيولوجية بسبب الاستخدام غير المناسب للأدوية، إلخ. تؤدي الأعراض إلى تعطيل عمل الفرد وأنشطته الاجتماعية. 

الآن، سوف نفحص ما إذا كانت مراسم الحداد في عاشوراء تسبب أعراض الاكتئاب المعتاد لدى الإنسان أم لا، وبالتالي هل تسبب اليأس الاجتماعي؟

لتوضيح هذه المسألة، من الضروري التدقيق في العوامل المسببة للاكتئاب واليأس من وجهة نظر علم النفس. عدد علماء النفس ثلاثة عوامل رئيسة تسبب الاكتئاب: المنبهات الوجودية والوراثية والبيئية. 

البيئة المحيطة أو الموقف وحده لا يسبب الاكتئاب. في الواقع، المنبهات السلبية في البيئة تكون فعالة فقط في الأشخاص الذين لديهم خلفية من الاكتئاب الوراثي أو الاضطراب البيولوجي في الدماغ الذي يؤثر في وظيفته الطبيعية.

بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن تصنيف مراسم الحداد على أنها أسباب بيئية تولد ضغوطًا شديدة. يمكن للحزن والأسى الحقيقيين الناجمين عن الأحداث المأساوية الحالية أن يسبب حزنًا واكتئابًا شديدين، لكن مراسم الحداد على أولياء الله لا تلعب دورًا في إحداث ضغوط شديدة.

على العكس من ذلك، ومع الاهتمام الواجب بالقضايا التي نوقشت في علم النفس الاجتماعي حول خصائص الطقوس الدينية، يمكن القول إن مراسم الحداد تلعب دورًا قويًا في تخفيف التوتر. 

في الحالات التي تنشأ فيها الدموع والحزن نتيجة الإيمان، أو بسبب السعي إلى الكمال الأخلاقي والامتياز، أو بسبب التعاطف مع المضطهدين، يمكن أن تنتج الطمأنينة في الإنسان وتزيل الانفعالات عن روحه. ويرى المنظور النفسي: (أنّ النساء أقل عُقداً من الرجال بسبب سرعة تنفيسهن عن الضغوط النفسية بواسطة البكاء، وهذه أحد أسرار سلامتهن). 

كما يرون أنّ البكاء يحدّ من الضغوط الناشئة من العُقد المتراكمة في باطن الإنسان، وهو علاج لأكثر آلامه ومعاناته الباطنية.

 فدمع العين بمثابة صمّام الأمان الذي يؤدّي إلى الاتزان الروحي للإنسان في الظروف الطارئة.