مسرحية {الطوّافة}.. معاناة الإنسان في هجرته غير الشرعيَّة

ثقافة 2023/08/05
...

 أ.د. عامر صباح المرزوك

قُدمت مسرحية (الطوافة) تأليف رشا المليفي وإخراج شفاء الجراح، ضمن عروض مهرجان الرحالة لمسرح الفضاءات المفتوحة في مدينة عمان الأردنية، الذي أقيم للمدة 10-15/7/2023، حاصدةً لجائزة التأليف، والإخراج، وأفضل ممثل مناصفة للفنان منذر خليل، وأفضل ممثلة مناصفة للفنانة نغم بطارسة، وأفضل سينوغرافيا، وأفضل عمل متكامل، علماً أن المسرحية من إنتاج وزارة الثقافة الأردنية.
جسد عرض (الطوافة) معاناة الإنسان العربي وما آل إليه من ويلات متتالية بعد الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى قضية اللجوء الفلسطيني، والربيع العربي وما بعده، من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية أرهقت بُلداننا العربية.
ثمة ثلاث شخصيات (عجوز، كاهل، شاب) تشترك في المصير المجهول في عوامة عائمة دون معرفة مصيرها واتجاهها، ولكل شخص قضية جعلته يلجأ إلى الهجرة غير الشرعية بطريقة الفلاش بلاك (عجوز يُمثل اللجوء الفلسطيني، كاحل يُمثل اللجوء الاختياري، شاب يُمثل اللجوء القصري)، ولعل هذا الموضوع قد تم تناوله في العديد من العروض المسرحية المعاصرة كـ(شقف، الحرقة، المركب، موت صالح للشرب، هجرة النوارس البرية) وغيرها الكثير التي اهتمت بقضية الهجرة، ولكن بمعالجات درامية مختلفة.
اجتهدت المؤلفة رشا المليفي في كتابة هذا النص بحرفية عالية، ومعرفة بأدوات الكتابة الدرامية، واستخدام المفردات، وكثافتها، وانسيابيتها، وبتنوع اللهجة على مستويين: الفصيحة عندما يكون التمثيل داخل العوامة، والعامية (الفلسطينية، التونسية، السورية) خارج العوامة، وهي تقنية مغايرة، أعطت للعرض خصوصية وفرادة تحسب للمؤلفة، والذي شدني أكثر هي الحوارات الفصيحة لأنها امتلكت صوراً دراميةً رائعةً، وأشكل على المؤلفة كتابتها فيما يخص مشهد الشاب السوري الذي كان مستهلكاً وبسيطا في الطرح على عكس باقي المشاهد التي تم كتابتها بطريقة مغايرة.
وظفت المخرجة شفاء الجراح المكان (ساحة مسرح أسامة المشيني) بحرفية عالية ودراية واضحة في توزيع القطع الديكورية (عوامة، اشرعة، كرات كبيرة)، ومعالجة توزيع أجهزة الإضاءة والصوت، ودخول وخروج الممثلين، ليتناغم كل هذا مع الفضاء، وعلى الرغم أن هذا العرض سبق وتم تقديمه داخل العلبة، لكنه لم يفقد روحيته وانضباطه، إذ استطاعت المخرجة أن تجعل المتلقي يقظاً ومتواصلاً طيلة مدة العرض التي استمرت أكثر من خمسين دقيقة، على الرغم من زج مشهد الاستهلال الذي أجده مطولاً، ولا علاقة له بصلب الموضوع مباشرة، بل مهدت المخرجة فيه لمرجعيات الإنسان منذ آدم والخلق والولادة لتربطها مع الأحداث التي سوف تجري فيما بعد على العوامة.
امتازت السينوغرافيا بجماليتها من خلال طريقة وضع العوامة وبداخلها (ترامبولين) ليخلق أمواج البحر وحركة الممثلين داخل العوامة، وخارجها بالتعامل مع مشاهد (الولادة، الأم الفلسطينية، الحبيبة التونسية، المحققة السورية)، وطريقة ملء مقدمة الفضاء بطريقة فنية مغايرة.
كما وظفت المخرجة والفنان ماهر الجريان الإضاءة داخل العوامة ومن الأعلى والجوانب لتعطي الجو الخاص بالبحر والأمواج والأمطار والرعد، وكانت متناغمة مع المؤثرات الموسيقية والصوتية التي نفذتها الفنانة ماريا خوري، وكان لها الدور الأكبر في خلق الجو العام للمسرحية، وتميزت بالدقة في الاختيار والتنفيذ.
اما الأداء التمثيلي، فقد تميز فيه الممثلون (منذر خليل مصطفى، أحمد إسماعيل، عمر أبو غزالة، نغم بطارسة)، وبحسب أدوارهم وأبعاد شخصياتهم وما تتطلب من أداء صوتي وجسدي، وتنوع وفق معطيات الدور، وهكذا اجتهد الممثلين في استرخائهم، والتعامل مع مفردات العرض، زد على ذلك أداءهم للهجات المختلفة (الفلسطينية، التونسية، السورية)، وخاصة الممثلة نغم بطارسة، التي جعلتنا ننذهل في حضورها وايجادها للشخصيات التي أدتها (أم فلسطينية، حبيبة تونسية، محققة سورية)، وما اسجله عليهم من ملاحظة، هو نسيانهم أحياناً أنهم في عوامة، فيتناسون ذلك، ومن ثم يستدركوا ليعودوا إلى الفعل المسرحي المطلوب.
أخيراً أبارك لكادر عرض (الطوافة) هذه التجربة المسرحية المغايرة، وننتظر منهم المزيد من التجارب المسرحية التي تُغني وتُنعش المسرح الأردني الذي نطمح أن يكون في الواجهة دائماً.