محسن حميد في حديث عن الكتب: أدهشتني إنهدوانّا كونها أول كاتب في تاريخ البشريَّة

ثقافة 2023/08/15
...

  ترجمة: نجاح الجبيلي

محسن حميد: روائي وكاتب بريطاني من أصل باكستاني ولد عام 1971 ودرس الكتابة الإبداعية في الولايات المتحدة على يد توني موريسون وجويس كيرول أوتس من رواياته «دخان العثة» - 2000  “الأصولي المتردد - 2007 “الخروج غرباً” - 2017  و”آخر رجل أبيض”- 2022 .
ما هي الكتب الموجودة على منضدتك؟
- «قصة زواج قصير»، بقلم أنوك آرودبراغاسام ، «الأشرار  خلفك» (الأشرار رقم 14) ، بقلم آرون بلابي، «مبادئ التعامل مع النظام العالمي المتغير» بقلم راي داليو، و «آخر الأطفال في طوكيو» بقلم يوكو تاوادا. هناك العديد من الكتب على منضدة زوجتي. على الرغم من أنها بنفس حجم منضدتي بالضبط، إلّا أنها تبدو أكبر منها على نحو غامض. إنها تقرأ بسرعة أكبر مني. غالبًا ما نتشارك الكتب، وأنا أعتبر أن بعضًا من  تلك الكتب إلى جانبها هي أيضًا، بمعنى ما، إلى جانبي، ولكن من غير المؤكد ما إذا كان لديها الشعور نفسه، لذلك لم أجرؤ على إدراج الكتب التي تقرأها هنا.

* هل هناك روايات كلاسيكيّة قرأتها مؤخراً لأول مرة؟
- منذ نحو خمس سنوات، إلى جانب قراءاتي الأكثر حداثة، قررت القراءة من الخلف إلى الأمام، من الناحية التاريخيّة. لقد بدأتُ بأقدم النصوص الباقية التي اعتبرها حكماء ويكيبيديا وغيرها من المصادر على الإنترنت ذات قيمة عالية وشققت طريقي إلى الأمام، حيث أقرأ عن قصد حسب الترتيب الزمني بدلاً من تصنيف اللغة أو “الحضارة” أو النوع. لقد بدأتُ بـ “تعاليم شروباك” السومريَّة، التي كُتبت لأول مرة بخط مسماري على ألواح طينيَّة منذ نحو 4600 عام (ومطلعها: “في تلك الأيام، في تلك الأيام البعيدة، في تلك الليالي، في تلك الليالي البعيدة...”)، واصلت طريقي عبر “أقوال بتاح حتب” في مصر والعديد من نصوص الأهرام، بما في ذلك “ترنيمة آكلي لحوم البشر”، إلى القصائد السومريَّة المشار إليها باسم “ترانيم إنهدوانّا” (لقد أدهشتني حقيقة أن أول كاتب في تاريخ البشريَّة كانت امرأة، ولم أكن أعرف هذا، وبالفعل لم أسمع عنها أو عن قصائدها من قبل، مما أثار جميع أنواع الأسئلة في ذهني)، وفي النهاية قرأت “جلجامش” المكتوبة منذ أكثر من 4000 عام، وبينما لم تكن “جلجامش” رواية بالضبط (فهي ملحمة تُروى من خلال الشعر)، فمن المؤكد أنّ فيها الكثير لتعليمنا عن الرواية القصصيَّة، وكنت أتمنى لو كنت قد قرأتها من قبل وإلى جانب “الأوديسة” التي قرأتها في الفصل الدراسي الأول لي في الكلية. إنّهما تصنعان اقترانًا تاماً.

* صِف تجربة القراءة المثاليَّة (متى وأين وماذا وكيف).
- بعد غياب دام سنوات عديدة، وجدت نفسي في سان فرانسيسكو، المدينة التي زرتها كثيرًا في طفولتي، عندما كنت أعيش على بعد ساعة في الجنوب. كانت بداية الألفيّة، قبل الحروب مباشرة. دخلتُ إلى مكتبة “أضواء المدينة”. اقترحتْ امرأة إيطالية رواية قصيرة لمواطنها أنطونيو تابوكي. كانت الرواية تدور في لشبونة، وهي مدينة ساحليَّة ذات تلال ملتفة على الحافة الغربيَّة للقارة، في وقت كانت فيه أوروبا تنحدر إلى الفاشيَّة. قرأتها في مستطيل متحرك من ضوء الشمس على سرير في غرفة فندق. شعرتُ بضبابيَّة الزمان والمكان. لم يكن لديَّ أيّ فكرة بعد ذلك أن هذه الضبابيَّة لن تتوقف، وأنّها لم تكن نتاج تشابه جغرافي، وأنَّ لشبونة تمتزج بسان فرانسيسكو فحسب، بل أنّ التاريخ يعاني الإعاقة أيضًا. لقد كانت لحظة جميلة، مثل فترة الصبا، سرعان ما تلاشت، وإلى الأبد.

* ما هو كتابك المفضّل الذي لم يسمع به أحد؟
إذا لم تكن قد قرأتَ رواية “تصريح بيريرا” من تأليف أنطونيو تابوكي، فيجب عليك أن تقرأها.

* روايتك الجديدة هي قصة رمزيَّة للسياسة العرقيَّة والهوية. من هم الكتاب الذين يعجبونك بشكل خاص في موضوع العِرق؟
- هناك الكثير لسرده هنا. سأذكر فقط خمسة ممن جعلوني أفكر كشاب: توني موريسون وكورنيل ويست (وكلاهما كنت محظوظًا بما يكفي لدراسته في الكلية)، وجيمس بالدوين، وتشينوا أتشيبي، وإدوارد سعيد (كلهم قرأت ومعجب في ذلك الوقت).
* هل سبق أن قربك كتاب من شخص آخر، أو حدث بينكما؟
- نعم. عندما وقعت في الحب، كان هناك دائمًا تبادل للكتب.

* ما هو الشيء الأكثر إثارة للاهتمام الذي تعلمته من كتاب مؤخرًا؟
- علمتُ أنه إذا قرأتَ رواية “غاتسبي العظيم” “[ لسكوت فيتزجيرالد] بصوتٍ عالٍ لابنتك البالغة من العمر 12 عامًا، فإنّها لن ترغب في التوقف عند فصل معيّن والذهاب إلى الفراش، حتى لو كان الوقت متأخرًا.

* ما هي الموضوعات التي ترغب في أن يكتب عنها مزيد من المؤلفين؟
- ليس من مهمتي أن اقترح موضوعات معينة لمؤلفين آخرين، لكني أود أن أقدم ملاحظة. إنّ الأنماط المهيمنة لسرد القصص التي تتم إعادة إنتاجها بكميات كبيرة في لحظتنا التاريخيّة هي أنماط سرد القصص على الشاشة: الفيلم، بل وأكثر من ذلك، التلفزيون. تميل هذه الأنماط بطبيعتها إلى التأكيد على شكل الأشياء وكيف يتحدث الناس. فهي تأتي إلينا بتخييل تام أيضاً: إنها تقدّم عوالم تشبه العالم الذي نعيش فيه. هذا يوحي لي بأن الأدب قد يزدهر من خلال التركيز على أشياء أخرى، ربما على الوصف المادي والحوار على الأقل، وربما على كيف أن ما نسميه الواقع هو بناء داخلي على الأكثر، ولكن قبل كل شيء على الاحتمالات التي تأتي من التخييل الجزئي في حالته المتحولة. القصَص المكتوب لا يشبه العالم الذي يصفه. يتخيل القارئ ذلك العالم من حروف وفضاءات وعلامات ترقيم. يبدو لي أن الأدب يمكن أن يزدهر من خلال فتح مساحة للإبداع المشترك من جانب القارئ، من خلال دعوة القارئ للتخيل، من خلال كونه أسلوباً لرواية القصص يتضمن شخصين يؤديان عملية التخيل معًا، فالقارئ صائغ نشط، راقصٌ في رقصة، وليس مشاهداً جالساً مراقباً.

* كيف تنظم كتبك؟
- أفترض أن هذا السؤال يشير إلى التكوين المادي للكتب في منزلنا، وليس إلى المعماريَّة الداخليَّة لرواياتي. في منزلنا، توجد معظم الكتب في غرفة المعيشة/ الطعام الخاصة بنا، وهي مُقسَّمة على نطاق واسع إلى الكتب غير الروائيَّة موزعة بين مجموعة من الرفوف والكتب الروائيَّة (مع القليل من الشعر والدراما) على مجموعة أخرى. يتم تقسيم كل مجموعة بشكل أبجدي تقريبًا حسب المؤلف. في غرفة نومنا كتب نقرأها وننوي قراءتها وما زلنا نرغب في قراءتها، ولكننا لن نقرأها أبدًا وما زلنا نتظاهر بأننا نقرأها ولكننا تركناها.
أخيرًا، في دراستي توجد كتب أتوقع غالبًا أن أشير إليها (قواميس) ولكن نادرًا ما أفعل (أطالس، تقاويم، مراجع أخرى)، كتب قرأتها مؤخرًا وأحببتها كثيرًا لدرجة أنني ما زلت أحتفظ بها قربي، والكتب التي أحتاج إلى قراءتها ولكني لا أنوي قراءتها بعد، والكتب التي تبدو أنّني كتبتها بنفسي، بما في ذلك اللغات التي
لا أعرفها.

* ما هو أفضل كتاب تلقيته على الإطلاق كهدية؟
- كتاب: الهند المغوليَّة 1653 - 1708: المجلد الثاني” لمؤلفه نيكولاو مانوتشي، ترجمة ويليام إيرفين، وطبع في عام 1907، وقد قدمه لي صديق في عيد ميلادي بعد طبعه بمئة عام، عندما لاحظ هذا الصديق أنّني أشرت إلى الأحداث التي وصفها مانوتشي خلال إقامته في القرن السابع عشر في الهند (وسُمّيت الشخصية نسبة له) في روايتي الأولى.

* كيف تتغير أذواقك في القراءة مع مرور الوقت؟
- فجأة، ثم بالتدريج.

* حين تنظم حفل عشاء أدبي مفترض فمن هم الكتّاب الثلاثة الذين ستدعوهم سواء كانوا أحياءً أم موتى؟
- إنهدوانّا وخورخي لويس بورخيس وجيمس بالدوين.

* بسبب أنه مخيب للآمال، ومبالغ فيه، وليس جيدًا: ما هو الكتاب الذي شعرت كما لو كان من المفترض أن يعجبك، فلم يعجبك؟ هل تتذكر آخر كتاب قمت بالتخلي عنه من دون الانتهاء منه؟
- ربما تناسب المسودات المبكرة لكتبي هذه الأوصاف بشكل أفضل من أي شيء آخر قرأته على الإطلاق. أتخيّل (أو بالأحرى آمل) أن يشعر العديد من الكتاب بالشيء نفسه.

* ما هي الكتب التي تشعر بالحرج لعدم قراءتها حتى الآن؟
- كتب أصدقائي التي لم أبدأ بقراءتها بعد.

* ماذا تخطط للقراءة بعد ذلك؟
- سؤال محرج!