منازل العطراني

ثقافة 2023/08/15
...

 ضياء الأسدي

صدرت عن منشورات اتحاد الادباء والكتاب مؤخراً، الرواية الاولى للكاتب د.جمال العتابي تحت عنوان" منازل العطراني" ، صممت بغلاف أنيق قام بتصميمه د. فرات العتابي.
ولم نتفاجئ من المؤلف إطلاق روايته الأولى التي أضاف بها للمكتبة العربية مطبوعا جسد فيه عصارة تجربته طوال نصف قرن،  لأننا عرفنا العتابي يمتلك خيوط الإبداع في شتى كتاباته التي استطاع من خلالها تأسيس قاعدة جمالية متفردة، كما وصفه الروائي الكبير ابراهيم احمد الذي أنصف العتابي بقوله:
ما يجعل هذا النص الروائي متميزا ومختلفا أنه كتب من القلب ،عرفت جمال العتابي قبل نصف قرن تقريباً، لا يتناول شيئا من ابداعاته المتعددة  وكتاباته  إلا وينصرف إليه بكل جوارحه وانتباهته.
هذا النص خلاصة تجربة طويلة عميقة عاشها بكل آلامها وأحزانها ومسراتها القليلة ، من دون إغفال لمخيلته  بما يقتضيه العمل الروائي من حيوية وطراوة . فاستطاع  بمهارة ان يقدم نصاً  يجمع أساليب سردية متعددة بصفحات هي مزيج من أحلام كبيرة في زمن الانكسارات والصدمة الماثلة، كتبه بذهنية من استوعب تاريخ بلاده، ومزاج ناسه وأهل مدينته في حقب عاصفة أو مستقرة نسبيا ولفترات قصيرة ،  وخرج غير يائس رغم الإحباط العام ، لكنه ليس ممن يأخذه الأمل دون أسس أو ركائز حقيقية ، بل تجده  يستعيد مواقف أليمة ومحزنة  يلوّنها بشيىء من السخرية والفكاهة !
لا يمكن أن نعدّ نص جمال هذا، العمل الروائي الأول فهو قد سكب فيه خبراته الروحية والإبداعية التي تمرّس فيها عبر أعمال ابداعية كثيرة ومتنوعة في مسار طويل ناجح في مختلف صنوف الإبداع ، الحدث عنده منتقى من ركامات كثيرة ، الجملة رصينة دقيقة مكتنزة بالمعنى ونكهة الروح وايماءاتها الموحية بالكثير.
الرواية تهيمن على القارئ منذ الشروع الناجح للدخول في آتونها، إذ يفيض علينا المؤلف من خلال 44 مقطعا من الرواية بلغة سردية تضجّ بالأحداث التي تمسك بتلاليب القارئ وتحيله الى محض شخص يجد نفسه في معترك الفصول وأحد ابطالها، بل ولن يستطيع الخروج من أحداثها التي تصل به أحيانا الى ذروة الواقع المتخيل المشحون بآلام الحقبات التي هدرت احلامنا وصنعت الدهاليز الحالكة بالقهر والثعابين.
شخوص الرواية التي صاغت الأحداث وهيمنت عليها مثل محمد الخلف، صالح كيطان،نوار ، رضية، خالد ، عويد ، فطيم  وغيرها نسجها العتابي بتؤدة عالية وخلع عليها الكثير من الواقع الذي جعلنا ندور مع أفلاكها طوال انغماسنا في الأحداث، لا سيمنا ونحن من دبّغت جلودهم بسياط الدكتاتورية التي تفننت بالنهايات.
الممتع بالأمر هو ما اقتنصه المؤلف من جسد روايته التي تتشابك فيها لغتا السرد بالشعر ليضعه في الغلاف حيث يقول:
"على جثة السدة سرت، ومن كل صوب وحدب تحاصرني طوابير من الحراس، وريح تئن كأنني في القفار، كنت في خطوات العبور عند عتبة السد الأولى مثل من يتنفس نارا تجتاح أوردته، أرى نهر دجلة خطوطا متعرجة بلا جريان، أو نوارس، أتلمس الحديد مثل سور يمدّ حباله حول رقبتي ويشنقني، أنظر الى الضفة اليمنى من النهر، ياهولها المسافة التي تبدو كأنها ثعبان يتأهب لمهاجمتي" الى أن يختتم" أنا ذاهب الى ارض يكثر فيها البائسون والتراتيل والرقم الطينية".