مونولوجات مسرحيَّة عن هموم وأحلام الشباب السوري

ثقافة 2023/08/17
...

 علي العقباني

 أربعة عروض جماهيريَّة على خشبة مسرح الحمراء بدمشق هي حصيلة ورشة العمل الدراميَّة "ورشة عمل إعداد الممثل" التي أشرف عليها المخرج والممثل مأمون الخطيب، بمشاركة الممثل إبراهيم عيسى الذي أشرف بدنيّاً وجسدياً ولياقة بدنيَّة وحركة على فريق العمل الذي ضم 18 طالباً، الورشة مجانية وبإشراف مديرية المسارح والموسيقا، هواة وعشاق فن وتمثيل ومسرح حاولوا العمل والبحث عن فرصة سواء في المعهد أم خارجه ولم يجد معظمهم تلك الفرصة، قدموا عرضاً ارتجالياً مشتركاً حاول فيه كل منهم أن يعبّر عن نفسه ويقدم خبرة الورشة واشتغالاته الذاتي على نفسه كممثل.

 تنبع أهمية هذه التجربة المشغولة بحب ورغبة كبيرة وشغف مسرحي كبير، من كون الشباب الذين شاركوا فيها هم هواة ومحبي مسرح وتمثيل وربما شهرة، كانت هذه الورشة التي استمرت شهرين بالنسبة لهم فرصة مختلفة لخوض تجربة التمثيل والوقوف على خشبة المسرح، بعد أن يكون قد تدرّب على مستويات مختلفة للصوت والجسد والليونة ولنماذج من
الأداء.
يجب التعامل مع هذا النوع من العروض باعتباره عملاً جماعيّاً «ارتجال جماعي» كتب نصّه مونولوجاته الطلاب أنفسهم مشتركين في صناعة الحكاية، ويحاول كلّ منهم أن يُقدّم نفسه كما يريد، وتأتي مهمة المشرفين هنا على محاولة تطوير النصوص وإيجاد الرابط أو العلاقة التي تشكل نصاً وعرضاً قوام عرض مسرحي أو قواسم مشتركة في الهموم والهواجس والربط والانتقال وغيره، تلك الهواجس الشبابيَّة التي شكلت قوام العرض المسرحي الذي شاهدناه.
ثمانية عشر شاباً وشابة تحدّثوا وعَبّروا عن أنفسهم لغة وجسداً من خلال مونولوجات تبدو ذاتيّة وشخصيّة في ظاهرها لكنّها في عمقها تمسُّ شريحة واسعة من الشباب، فهم تحدثوا عن الحب والأسرة والغربة والفراق والفقد والخوف من الآن والغد، عن السفر والهجرة وأحلام التمثيل وأوهام الحياة والعوز والانتقال من الريف إلى المدينة وغيرها، هواجس تمَّ تجسيدها مسرحيّاً عبر تشكيلات وانتقالات
ملأت الخشبة الفارغة كليّاً سوى من كراسٍ لجلوس الممثلين عليها وفق توزيعات أفرزتها طبيعة اللحظة الدراميّة للممثل الذي سيؤدي دوره في تلك اللحظة، ونتيجة للتنوع والاختلاف ومحاولة المشرف إعطاء المساحة الكافية لكلّ ممثل ليقول نفسه، فإنّنا سنجد هنا مزجا واضحا بين معظم اللهجات السورية العامية والفصحى والأغنية والكلام المحكي، الذي تداخل بما يعطي مكوناً طبيعياً للحياة التي يعيشها هؤلاء الشباب وكما هم على طبيعتهم، في انتقالات جسديّة وحركيّة بين فئة وأخرى، شباب كتبوا أرواحهم على خشبة المسرح، محاولين البحث عن حياة خارج أتون الحرب وأذيالها التي تملأ المكان، حيث الحلم أصعب واللقمة عصيّة، وفرص الحياة أضيق، ومن الطبيعي هنا أن تختلف أنماط الأداء والمستويات الأدائيَّة للشباب الذين خاضوا هذه التجربة، لكنّها بكلِّ تأكيد كانت الفرصة الأمثل ليقول كل شاب منهم ما تعلّمه خلال تلك الورشة أو من ثقافته ومعرفته، كبوابة عبور مثلى لعالم الفن والتمثيل، لا سيما أن الإخراج اكتفى هنا من دون أن يشغل الحضور بديكورات وإضاءات ضخمة، اكتفى بإنارة أرواح هؤلاء الشباب، فنجد كلاً منهم وحيداً يروي ذاته كما يريد أمام الجمهور وأمام زملائه حتى يسلم من بعده ليكمل سلسلة الهواجس الحياتيّة والروحيّة التي يعيشها الشباب السوري اليوم في ظل واقع اقتصادي ومعيشي وثقافي بالغ القسوة والصعوبة ومن الطبيعي أن تتفاوت مستويات الأداء والاختلاف بل ومن الضروري.
العرض المسرحي "هواجس" الذي أشرف عليه وأخرجه مأمون الخطيب وبمساعدة الفنان إبراهيم عيسى وفريق عمل الإضاءة والصوت والسينوغرافيا والموسيقا والديكور، والذي قُدِمَ على خشبة مسرح الحمراء بدمشق، عندما ظهر للنور عرضاً مسرحياً لم يبقَ مجرد كلام بل محاولة حياتيّة للتعبير المسرحي عن شباب يبحث لنفسه عن مكان حقيقي للحب والحياة والحلم، وإذا استطاعت هذه الورشة المشغولة بحب وشغف واضحين أن تقدم لنا عدداً من الممثلين الجيدين في تلك الفترة القصيرة فهذا يكفي
ويزيد.