أديب كمال الدين
تخطيط أوليّ لقصيدة جديدة
حتّى لا تضيع منكَ دفّة القصيدة
ارسمْ خريطتَها أولاً؛
فإذا كانتْ قصيدتُكَ عن الأرض
فتذكّر الجبلَ وقسوته
وأنتَ تصفُ لوعةَ أغنياتِ الفرات
أو أسرارَ ماءِ دجلة وجسورها،
ولا تنسَ الصحراءَ وعواصفها
وأنتَ تُحدّقُ مبهوراً كالطفل
في نجومِ السّماء.
وإذا كانتْ قصيدتُكَ عن المرأة
فتذكّرْ عينيها الغامضتين
وأنتَ تتغزّلُ بشفتيها الناريّتين،
ولا تنسَ كرمَها الوحشيّ
أو بخلَها الأسطوريّ
وأنتَ تُشبّهُ جسدَها الهائل
بسفينةِ الطوفان.
وإذا كانتْ قصيدتُكَ عن المنفى
فتذكّرْ مباهجَ الوطنِ السّرّيّة،
ومواجعَه التأريخيّة،
وأحلامَ طغاته الدمويّة
وعشقهم المجنون
للنساءِ والسيوفِ والحروب.
وأخيرا؛
إذا كانتْ قصيدتُكَ عن الحرف
فتذكّرْ أنّ الحرفَ ملاذكَ الوحيد
في عالمِ التفاهةِ والأكاذيب،
وأنّ النقطةَ سرّكَ الأزليّ
الذي لا يفهمهُ أحدٌ سواك.
الذكرى الأبديّة
أنا ذكراكَ الأبديّة
قد تكونُ مُضيئةً أو ساطعةً،
قد تكونُ رملاً أو وهماً أو هباءً منثورا.
هكذا قالَ حرفي، وأضاف:
بزغتُ من أعماقِ دمِكَ،
ومن غيمةِ حُلْمِكَ التي فرّتْ
من ألفِ سجنٍ وقفص،
وأشرقتُ من سرِّكَ الذي لا يعرفهُ أحدٌ إلّاي،
ومن حرمانِكَ الذي فاقَ البحرَ اتساعاً
والجبلَ عُلوّاً وعُتوّاً.
فلا تعلنْ لأحدٍ اسمي أو رسمي،
ولا، بالطبعِ، سِرّي.
فإذا فعلتَ،
وأعرفُ أنّكَ – وا أسفاه- ستفعل،
فلا تعلنْه إلّا لمَن رقصَ على الجمر
مثلكَ ليلَ نهار
أو عادَ من الموتِ رماداً
يحملُ ما بينَ يديه
سرَّ الله.
اكتبْني بعينين دامعتين وقلبٍ راقص
في مقهى يطلُّ على شاطئ البحر،
جلستُ وحيداً
أتأمّلُ زرقةَ البحرِ وزرقةَ السماء
يتلامسان ويتّحدان حَدّ الجمال.
فجأةً
بدأتْ تمطرُ وتمطر.
وأخذَ بعضُ العشّاق
يرقصونَ على الشاطئ تحتَ المطر،
فذهلتُ ودمعتْ عيناي.
كنتُ وحيداً إلّا من حرفي،
قلتُ له:
أينبغي عليَّ أنْ أبكي أم أرقص؟
فأجابَ: لا هذا ولا ذاك.
اكتبْني على الورقة،
اكتبْني بنبضٍ عميقِ الخيال،
اكتبْني بعينين دامعتين وقلبٍ راقصٍ
كي تنال
قصيدةً ترسم
تفاصيلَ هذه اللحظة المُذهلة
بمطرِها
وبحرِها
وسمائها
ودمعِها
ورقصِها
وسحرِها الذي لا يفهمهُ أحد
وبسرِّها الذي لا يُقال.
قصيدة عن الأرق
آخر ما كتبتُهُ قصيدة
لا تتحدّثُ عن الحروبِ أو الطغاة
أو النّساءِ العارياتِ أو الكاسياتِ العاريات
أو ارتفاعِ حرارةِ البحرِ أو حرارةِ القلب
أو الذكاءِ الاصطناعيّ أو الغباءِ الطائفيّ.
لا تتحدّثُ عن الذين ملأوا الفضائيّاتِ بالأكاذيب
أو الذين ملؤوا الفيسبوك بالتُرَّهات،
ولا عن الأرضِ التي يعملُ أبناؤها بجدٍّ
لتدميرها ليلَ نهار
أو السّماءِ التي امتلأتْ بالدخانِ والمُسيّرات.
قصيدة لا تتحدّثُ
عن الدمعِ أو الدم،
الحُبِّ أو الموت،
الموتى أو الأحياء.
قصيدة مُشَفَّرة
من الألِفِ إلى الياء
لا يستطيعُ أن يفكَّ طلاسمَها أحدٌ سِواي،
أقرأها بصوتٍ خفيضٍ لنَفْسي
فتتساقطُ أشجارُ الأرقِ الملأى بالجمر
الواحدة بعد الأخرى،
حينها تهدأُ ذاكرتي الجهنميّةُ قليلاً
فأنام.