حيدر علي الاسدي
شكل الظلم واتساع رقعته في العالم على المستوى (السياسي والاجتماعي والاقتصادية) أزمة حقيقية للطبقات المسحوقة بخاصة في المجتمعات النامية، وقد تحولت هذه المناهضة للظلم من طابعها الاجتماعي إلى الآداب والفنون، فولدت العديد من مظاهر أدبية تتسلم بطابعها الذي يصطف مع الطبقات المسحوقة، ليس ابتداء بأدب الطبقة العمالية أو الأدب البرولتياري بعد الحربين العالميتين، والذي يركز على نقد التوجهات الرأسمالية والبرجوزاية، بخاصة في المانيا وامريكا في خضم الازمات الاقتصادية الكبرى خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وليس انتهاء بأدب المقاومة للاستعمار الغربي في بعض بلدان (افريقيا) وكذلك البلدان العربية، ناهيك عن سيادة (أدب الزنوجة) في المنظومة الغربية (عبر سيل العبيد المهجرين والمهاجرين الى أمريكا وباقي اصقاع أوروبا) والذين باتوا يردون على مسالة اضطهادهم والعنصرية إزاء حقوقهم بموجات أدبية متواصلة ابتداء بمحاولة التعايش، وصولاً إلى الرد بالمثل (المناهضة من خلال تعرية المجتمع الليبرالي الأمريكي وسطوته القاسية على الاغيار)، وليس انتهاء بمظاهر الأدب الواقعي في أمريكا اللاتينية (كولومبيا، البرازيل، الارجنتين، وغيرها) والتي شكلت محاولات جادة للاصطفاف مع الطبقات المحرومة المسحوقة التي تمثل قاع المجتمع الذي يحتاج الى (صوت/ هادر) بوجه السلطات الداخلية والخارجية.
فكانت هناك محاولات عدة وابرزها مظاهر (مسرح المقهورين) الذي يحاول أن يكون أداة التعليم والدفاع عن (المقهورين) سواء كانوا في أمريكا اللاتينية أو حتى بقية بلدان العالم.
فأخذ هذا المسرح على عاتقه تثقيف وتوعية طبقات (الفلاح، من لا يجيدون القراءة والكتابة والعمال وغيرهم من الشرائح المسحوقة) أو ما يصطلح عليها بالطبقة البروليتارية، وكذلك برز خلال هذه التجارب ما يسمى (بالادب الاشتراكي/ والمسرح الاشتراكي) وهما يسعيان
للكشف عن (قساوة النظام الرأسمالي).
فكل نتاجاتهم تؤكد أن سبب أزمات الانسان والمجتمع جراء النظام الرأسمالي، ناهيك عن مصطلح
( الادب الثوري/ المسرح الثوري) أدب الثورة والمقاومة، أدب الازمة، أدب ما بعد الكولونيالي، وغيرها من المفاهيم التي تتداخل مع قضايا الطبقات المسحوقة وتعمل على استخدام الادب كاداة حقيقية (للتوعية والتثوير) وخلق سلوكيات إيجابية لدى هذه الطبقات واحلال اليقظة والوعي في ربوع هذه الطبقة من أجل محاولة (التغيير).
وسعى لهذا العديد من الكتاب والمشتغلين بهذا الحقل، خاصة من يتملكهم الشعور بالانتماء للنظام الاشتراكي والتوجيهات اليسارية، وبعض الكتاب الذين خرجوا من معطف هذه الطبقة فاستشعروا الامها ومعاناتهم، وبالتالي كتبوا عن هذه الطبقة بكل امانة اجتماعية وفكرية.
في المانيا مثلا يعد كتاب التعبيرية هم الأبرز الذين تعاطوا مع أدب الطبقات المسحوقة، فصوروا حياة العمال في المصانع والمناجم وفي نظل الأنظمة الفاشية والدكتاتوريات، وصوروا بؤس هذه الطبقة في ظل الازمات الاقتصادية، التي لحقت بهم جراء تسلط الرأسمالية.
أما روسيا فهي اكثر البلدان التي استوعبت أدب الطبقات المسحوقة، وفيها حدثت ثورة العمال ثورة أكتوبر البلشفية الاشتراكية الكبرى عام 1917 التي بموجبها انتقلت السلطة الى العمال والفلاحين من المناضلين.
ولعل الميزة الأهم في كتاب هذا الأدب أنهم دائما معرضون للاعتقال والتهجير والمطاردة في ظل الأنظمة التي لا تتقبل النقد ولا تتقبل تعرية جهازها الحاكم وبيان معاناة الطبقات الفقيرة في
المجتمع.
لذا كان أدب الطبقات المسحوقة هو الأهم الذي يعيد للأدب رونقه وجوهره في تحسس معاناة الناس واستشعار شظف عيشهم اليومي، وبالتالي كان الأبقى دائما والأكثر إنسانية في كل التجارب التي قدمت في مختلف البلدان، لأنه يعكس صورة حياة الإنسان في ظل الموجات المتلاحقة من الازمات التي تكبل الطبقات المسحوقة وتسلب حقوقهم وتجعلهم دائما على الهامش ليأتي العديد من الكتاب والادباء ليعيدوا هذا الهامش لمركزية الحدث من خلال طرح قضايا الجوهرية وإبراز معاناته وأهم متطلباته ليكون بمصاف بقية
الطبقات.