باسم سليمان
قد يكون فيلم صوت الحرية(Sound of Freedom)، الذي ربح اللوتو الأميركي في بداية الموسم السينمائي لعام 2023، إذ تفوّق على فيلم "إنديانا جونز" وبطله هاريسون فورد الحصان الرابح في شباك التذاكر، وحقّق إيرادات ذهبية تجاوزت المئة مليون دولار، على الرغم من ميزانيته البسيطة، وما زال مستمرًا في تجاوز التوقّعات. وعلاوة على ذلك، فقد أثار جدلًا بين الأطراف السياسية الأميركية، وأشار إلى نظرية المؤامرة، التي تومئ إلى بعض القضايا الإنسانية الشائكة، وخاصة عند نقصان الأدلة، وإن لم يكن قد لحظها الفيلم ضمن سياقه.
يستند الفيلم إلى القصة الحقيقية للعميل الأميركي تيم بالارد (جيم كافزيل) الذي استقال من وظيفته الحكومية مضحيًا بتقاعده، ليذهب في مهمّة سرّيّة إلى كولومبيا. ومن ثمّ يقوم بنصب مصيدة يشترك معه في إقامتها مجموعة من الأصدقاء إلى جانب الشرطة الكولومبية للإيقاع بعصابة تقوم بخطف الأطفال واستعبادهم جنسيًا.
يقول المخرج المكسيكي أليخاندرو مونتيفيردي، بأنّ فكرة الفيلم استلهمها بعدما حضر برنامجًا وثائقيًا عن تجارة الأطفال الجنسية، إذ أثّر ذلك فيه كثيرًا، وأراد أن يلقي حصاة في البركة الساكنة. وعندما بدأ بالإعداد لفيلم يناقش القضية تعرّف على قصة بالارد، وبعد اللقاء به، أصبحت قصته، هي محوره.
يعرض لنا الفيلم كيف يتم خداع الآباء عن طريق جذب أبنائهم إلى مسابقات تُعنى بمواهب الأطفال وخاصة الفنية منها، ومن ثم اختطافهم. وفي بعض تحرّيات الشرطة الأميركية يُوقع بالارد بأحد المتحرشين وينقذ طفلًا كان بين يديه الوسختين. يخبره الطفل بأنّ أخته أيضًا مخطوفة، ويهديه قلادة كانت أخته قد أعطته إياها قبل تفرّقهما. كان بالارد ربّ أسرة مكونة من عدد من الأطفال، لذلك لم يكن قادرًا على تصوّر أن يخلو سرير أحد أبنائه بهذه الطريقة القاسية. يسافر بالارد إلى كولومبيا، وهناك يلتقي بأحد الأشخاص الذي صحا ضميره، بعد أن اكتشف بأنّ الفتاة التي معه في إحدى الحفلات، ما هي إلا فتاة لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، لكن العصابة دفعتها إلى الملاهي، بعدما استنفدت عمرها الصغير مع الشياطين.
يتم اختراق تنظيم إحدى العصابات من قبل بالارد، ويقوم بإقناع رئيستها، التي كانت ملكة جمال سابقة، بأنّه يعدّ مع مجموعته حفلة صاخبة على إحدى الجزر، إذ سيتوافد الأغنياء ويجب عليها تأمين الكثير من الأطفال من أجل إمتاعهم. هكذا يقع أفراد العصابة في الكمين ويتم إنقاذ الكثير من الأطفال، لكن أخت الطفل لم تكن موجودة. وبعد عدّة تحرّيات يعلم بأنّ أحد قادة الكتائب المسلحة الثائرة على الحكومة الكولومبية في الأدغال يمتلك الفتاة. يستغل بالارد عرفًا يسمح للأطباء بدخول مناطق العصابات من أجل مساعدة المرضى ومعالجتهم من سكان تلك المناطق. يتنكّر بزي طبيب، ويأخذ معه لقاحات الكوليرا، فهناك شبهة بوجود عدوى. يصل بالارد إلى منطقة العصابة ويقتل رئيسها ويسترد الفتاة وتعود إلى أسرتها وأخيها، وينتهي الفيلم النهاية السعيدة التي نتمنّاها حقًا، بإنقاذ طفل جديد من جحيم الاستغلال الجنسي.
تقدّر ميزانية الاتجار بالأطفال واستغلالهم جنسيًا حول العالم، بما يعادل مئة وخمسين مليار دولار، حيث يتم إرسالهم إلى الكثير من البلدان، وخاصة أميركا التي تستحوذ على حصة الأسد من هذه التجارة، فلقد أراد مخرج الفيلم والممثل جيم كافزفيل الذي لعب سابقًا دور السيد المسيح في فيلم من إخراج ميل غيبسون عام 2004 إيصال رسالة توعية وحض على كشف تلك المنظمات العنكبوتية المنتشرة في أنحاء الكرة الأرضية، إذ قال كافزفيل في نهاية الفيلم: "أطفال الله ليسوا للبيع."
قلنا بداية، بأنّ الفيلم أثار تداعيات سياسية ومؤامراتية، إذ اعتبره البعض وسيلة دعائية لليمين السياسي الذي يركّز على قيم الأسرة. أمّا لجهة نظرية المؤامرة، فقد صرّح نجم الفيلم جيم كافزفيل، بأنّه هناك شبكة من الأغنياء والسياسيين، وهم وراء خطف الأطفال من أجل استخلاص أحد الهرمونات من أجسادهم، يظن بأنّه يطيل الأعمار.
هذه الأسباب مجتمعة دفعت بالفيلم إلى الصدارة. مع أن حبكته ساذجة، وحواراته ليس بالعمق الكافي. حتى أن جيم كافزفيل ليس بمستوى الأداء ذاته التي رأيناه في فيلم ميل غيبسون المذكور، إلا أن القضية التي يطرحها الفيلم تغفر له سقطاته الفنية، فالاتجار بالأطفال، والاستغلال الجنسي لهم، من أخطر وأشنع القضايا التي يعانيها عصرنا، ويجب تسليط الضوء عليها، حتى لو كان بإشعال عود ثقاب.