عدوية الهلالي
استوحت الكاتبة الإيطالية «لورا إيماي ميسينا» التي تعيش في اليابان روايتها من مكان حقيقي.. من كابينة هاتف مغروسة في وسط حديقة، من دون أن تكون موصولة بأيِّ خط، إذ يأتي الثكالى للتحدث إلى أحبتهم الموتى، وحيث يذهب الآلاف من اليابانيين كل عام إلى هناك لأداء هذا الطقس. صدرت هذه الرواية التي تحمل عنوان (ما نعهد به للريح) في عام 2021 عن دار نشر البان ميشيل وأصبحت الآن متاحة بطبعة ورقيّة.. وتدور أحداث الرواية في مدينة أوتسوشي باليابان، على بعد أكثر من سبع ساعات بالسيارة شمال طوكيو حيث خطرت لرجل ذات مرة فكرة تركيب كشك هاتف في حديقته ليتيح للناجين من كارثة تسونامي التي حدثت عام 2011 التعبير عن أحزانهم.
ومنهم يوي التي فقدت ابنتها ووالدتها في ذلك اليوم. أو تاكيشي الذي فقد زوجته ولم تستطع ابنته الكلام منذ ذلك الحين. وسيجتمعون حول «هاتف الريح» هذا، ويأتي المزيد والمزيد من الناجين لسرد قصصهم في محاولة لتهدئة نفوسهم..
وللوصول الى هذا الهاتف في بيل غوارديا، ينبغي الذهاب إلى حديقة السيد سوزوكي، في بلدة صغيرة ليست بعيدة عن الأماكن التي دمرها تسونامي حيث يجتمع العديد من السكان الناجين ممن فقدوا الزوج أو الزوجة أو الوالدين أو الأطفال للتعبير عن ألم صامت بمواجهة عنف القدر من خلال الهاتف الذي يعرضه السيد سوزوكي، في حديقته، لايصال كلماتهم التي ستنقلها الريح إلى المتوفى.
من نقطة البداية الشعريّة هذه، ستتحدث الكاتبة لورا إيماي ميسينا عن حزنها الحميم الذي يبدو أنّه لا عزاء له. عن يوي التي لم تبكِ قط عندما فقدت والدتها وابنتها بل ظلت ذاهلة من خسارتهما فهذه الصحفيّة اليابانيّة الإذاعيّة تركز على عملها وتقوم به بصرامة كوسيلة لتجاهل ماحدث، بينما لا يعرف تاكيشي، وهو طبيب في مستشفى طوكيو، ما يجب فعله لجعل ابنته، التي فقدت صوتها منذ وفاة والدتها، تتحدث مرة أخرى.
ستلتقي هاتان الشخصيتان معاً للغرض نفسه في كل شهر للقيام برحلة بالسيارة إلى بيل غوارديا لمحاولة التحدث إلى أحبائهم الذين اختفوا. وشيئًا فشيئًا تصبح هذه الطقوس غير قابلة للتغيير، وتتشكل قصصهم، في صمتهم الذي يتبع الكلمات. وفي اليوم الذي يقررون فيه اصطحاب هانا، ابنة تاكيشي، ستحدث معجزة. وفي حديقة السيد سوزوكي، سيقابلون أيضًا أرواحًا أخرى تتألم، مثل أرواحهم، وسيحاولون تخفيف
آلامها.
إنّها رواية عن العودة إلى الحياة التي يتم العبث بها من خلال الملذات الصغيرة للحياة اليوميّة. وشيئًا فشيئًا، تشق الحياة الآخرة طريقها إلى عقول يوي وتاكشيني، ويستحوذ هذا الفكرعليهم وينمي هوسهم لأن الغائب سيكون بطبيعة الحال جزءًا من هذه الأسرة التي تتم إعادة تكوينها ببطء شديد، ومن من خلال الكلمات، والقصص التي يتم سردها، سترافق الأشباح الأحياء وتساعدهم على حب بعضهم البعض. وبفضل هاتف بيل غوارديا، وعبر هذا الحوار الذي يشبه الحلم، تصف الكاتبة لورا ايماي ميسينا بدقة المراسلات السريّة والتماثلات التي يحافظ عليها عالم الموتى مع عالم الأحياء. وتقول ميسينا ببساطة: «هاتف الرياح» هو استعارة لقيمة التمسك بكل من السعادة والحزن حتى في مواجهة الخسارة في الحياة إذ يمكننا أن نفتح ذراعينا لكل الهدايا التي تقدمها لنا الحياة».
ولدت الكاتبة لورا إيماي ميسينا في روما وتخرّجت من كلية الآداب في جامعة سابينزا. انتقلت إلى طوكيو في سن الثالثة والعشرين وعاشت بشكل دائم في اليابان منذ ذلك الحين. حصلت على درجة الماجستير لمدة عامين في الثقافات المقارنة من الجامعة المسيحيّة الدوليّة مع أطروحة عن الكاتب الياباني أوغاوا يوكو وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة طوكيو للدراسات الأجنبيّة مع أطروحة مقارنة حول موضوع المادية في الأدب الياباني والأوروبي، وتعمل حالياً أستاذة لتدريس اللغة الإيطالية في أرقى الجامعات في العاصمة. وفي آذار عام 2011 أسست مدوّنة «اليابان حبيبتي» وصفحة الفيسبوك التي أصبحت، بمرور الوقت، مرجعاً لمحبي الشمس المشرقة ونافذة على الحياة اليوميّة في العاصمة اليابانيّة ولديها الآن مئات الآلاف من المتابعين.
أصدرت ميسينا روايتها الأولى (طوكيو أفقيّاً) عن دار نشر بييم في عام 2014 وكانت ناجحة جدًا. بعد ذلك، في عام 2018، صدرت لها رواية (لا أجرؤ على الفرح) عن دار نشر بييم أيضا. أما روايتها (خارج فالاردي) الصادرة عام 2018 فقد كانت من أفضل الكتب مبيعًا واصبحت كتاباً مقدّساً للعشّاق اليابانيين وتمت ترجمتها إلى اللغة الإسبانية والألمانية. وفي ايلول عام 2020، أصدرت رواية (اينودي طوكيو) وتروي قصة رحلة عاطفيّة في المدينة الكبرى، بينما أصدرت في شباط عام 2021 مجموعة قصصيّة للأطفال. وتعد روايتها (ما نعهد به للريح) محطة جديدة في مسيرتها الأدبيَّة لأنّها عبرت عن مشاعرها الحقيقيّة تجاه البلد - اليابان - الذي أحبته كثيرا.