رولا حسن
ليلى نصير، واحدة من أعلام الفن التشكيلي السوري، من مواليد اللاذقيّة وهي من أهم فناني مرحلة السبعينات المهمين، ومنذ تخرّجها من قسم التصوير من كلية الفنون الجميلة في القاهرة 1964، أولت اهتماماً خاصاً للريشة والألوان ورسمت لوحات وأعمال بين الواقعيّة والتعبيريّة، وبين الأعمال المستوحاة من الأسطورة حيث بدأت بإقامة معارضها الفنيّة منذ ستينات القرن الماضي.
تعالج نصير لوحتها فنيّاً فيمتد التشكيل على كامل اللوحة بحيث توازن بين الخط واللون والأبيض والأسود فلا تترك لوحتها ناقصة حتى لا تُحاصر العين البصريّة وتشدّها فلا تخرج بذلك خارج حدود الإطار "بحسب تعبيرها".
في أعمالها روح المعمار، كونها تهتم بالفراغ أكثر من اهتمامها بالمساحة اللونيَّة والحوار بينها وبين الفراغ هو حوار جدلي لا يخرج عن أطر الفكر والشكل والروح.
يأخذ الخط عند نصير منحى قريباً من بنية المرأة فينفتح على ما هو أمومي وطفولي فالخط الذي يحمل أبعاد التضاد بقدر ما يحوي من الرقة بين حناياه تجد الصلابة التي تذكر بالمعمار وجدلية الخط هنا على حدِّ قولها "أن ينوس بين الليونة والصلابة كما في الحياة التي تحمل مفاتيح الموت "أما المنحى الآخر الأكثر تواجدا في أعمالها والذي يحمل سمة الأمومة والإنسان يعود برأيها "إلى أن تقاعسها عن إنشاء أسرة جعلت من هذا العالم بيتي ومن الجوار أسرتي فخرجت من جلدي إلى عالم أرحب وأشمل وأجمل بكل ما يحمل من متناقضات والفنان حالة إبداعيّة فهو بلا شك يحتاج للخروج عن التقليد، وإلا أصبح كما المومياء محنّطا في الفكر والشكل ولا يكفي تطور الفنان بأدواته إذا لم يترافق بتطور المفاهيم والرؤى وإضافات
الأسلوب.
تمزج نصير ما بين الانفعاليّة والعقلانيّة من خلال تناولها للون فهي وهي توضح هذه الفكرة قائلة "دوما تسبق أعمالي دراسات على الورق سواء بالخط أو اللون ذلك أني أستند في البدء إلى محاورة العقل والمفاهيم الفنية والتجارب التي أحملها لأنطلق بعد ذلك إلى التعبير بحرية وبحيث يخرج المخزون الداخلي الانفعالي إلى المساحة البيضاء، وأثناء العمل تتبدى العلائق الخطيّة واللونيّة وتنوس من مساحة لأخرى لتستقر في شكل أشعر معه أني يجب أن أتوقف.. إشارة أن الحوار الداخلي قد توقف.
بدأت نصير بأسلوب رومانسي ثم انتقلت إلى السرياليّة فالواقعيّة الحديثة ومن ثمَّ إلى التجريديّة والتجريديّة التعبيريّة وهي تعتقد أنّها المدرسة التي تنوس بين جنباتها على ذلك أن الإنسان وقضاياه هو محور أعمالها حيث تلمست جراحاته وهشاشته وضعفه وقوته بخطوطها وألوانها التي كانت تخفت تارة لتضيء تارة فتعكس عوالم الإنسان وانكساراته.
منذ تسعينات القرن الماضي مزجت نصير بين التجريديّة والتعبيريّة ومارست النحت وكتبت القصة والشعر وهي من يهوى التجريب فهي تعتقد أنّه في العصر الذي وصلنا به إلى الفضاء وتمَّ فيه زراعة الأجنة والوصول إلى أقصى درجات التطور العلمي، يتطلب والحال كذلك من الفنان أن يواكب هذا التطور فنيّاً بكل معطياته وذلك من دون خروج عن الجذور بما نحمله من روح وفكر.
منذ بداياتها البعيدة حملت نصير قماشتها البيضاء وبدأت تجول الشوارع وترسم ما تراه ملتقطة أثر الحياة حولها متتبعة تفاصيلها في وجوه الناس وأجسادهم، الأمر الذي عرف عنها في مدينتها اللاذقية، فكانت أول فتاة ترتاد مقاهي الرصيف لترسم حياة الناس وحكايتهم. وفقاً لما ذكر في الكتاب الذي حمل اسمها ليلى نصير، حيث تؤكد فيه أنه على الفنان أن يعيش التجربة قبل أن يرسمها، لأنّها بالضرورة أكثر التصاقاً بالفنان. ولذلك لقبت بفنانة التجربة لأن معاينتها للألم الإنساني سبق تجربتها الفنيّة.
شهدت لوحة نصير عدة تحولات ظلت خلالها وفيّة لما نهلته من معارف وأسس فنيّة وأكاديميّة منذ وجودها كطالبة في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، ولا سيما الفن المصري قديمة وحديثة، وغاصت عميقاً في الحضارتين المصريّة والسوريّة لتخرج بحصيلة فنيّة معجونة بروحها وروح العصر.
أقامت أكثر من خمسة عشر معرضا فرديا، وشاركت في معارض جماعيّة في سوريا وخارجها وحازت على براءات تقدير من جهات رسميّة عليا، عملت محاضرة في العمارة بجامعة تشرين، وحصلت على تقدير من رئاسة مجلس الوزراء.
رحلت ليلى نصير "ابنة البحر" كما لقبها اصدقاؤها وأحباؤها تاركة النوارس تبحث عن صحن يديها الممتلئ بالحب.. رحلت تاركة البحر ونوارسه ليتم أكيد.