سينمات الديوانيّة تلاشت.. وشباب يبادرون لإحياء تاريخ {الفرجة}

ثقافة 2023/08/28
...

  عباس رضا الموسوي


ما زلت أذكر جيداً، كيف كنا أصدقاء في وهج المراهقة وعنفوانها، نقف منتصبي القامة بالعين اللسان، محدقين بآخر فتحة بمفاتن النجمة التركية بانو الكان، كما أتذكر جيداً كم شتمنا المصور لأنه لم يطأطئ الرأس قليلاً أثناء التقاطه للصورة، فنذهب إلى الأهل نختلق الأكاذيب، علنا نحصل على مبلغ يكفينا لدخول دار السينما عصرًا، فنحيي بالتصفيق والصفير ظهور عشيقتنا جميعاً بانو الكان، وهي ترتمي في أحضان غيرنا وتقبله أمام أعيننا، والغريب أن غيرة العشق لدينا مغايرة حيث نزداد فرحاً وطرباً كلما قبلته بحرارة، أفقنا من حلمنا على حروب صغيرة وكبيرة وحصار كوني، فشاخت أرواحنا قبل أجسادنا، بعد العام 2003 ونتيجة التغيرات السياسية التي شهدها العراق، فضلاً عن دخول عالم التكنولوجيا التي أتاحت للإنسان مشاهدة الأفلام السينمائية وهو في منزله، تحولت دور العرض السينمائي إلى مخازن للأدوية والأثاث والحبوب وغيرها من بضائع أخذت مكاننا وقضت على حفاوتنا بمشاهير السينما العالمية .

تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة للمطالبة بورش لتطوير صناعة الأفلام عموماً، والاهتمام بفتح صالات سينمائية خصوصاً، نرى ذلك في الفعاليات التي نظمها قصر الثقافة والفنون وقاعة إذاعة الديوانية، ما أثار بوادر أمل في نفوس المهتمين، "الـصباح " التقت  مدير قصر الثقافة والفنون في محافظة الديوانية الفنان صادق مرزوق، وسألته عن طبيعة هذه الفعاليات البصرية، فأجاب:  "لدينا العديد من المخرجين الشباب في مدينة الديوانية المعروفة بتاريخها الإبداعي تمكنوا من صناعة أفلام سينمائية نالت العديد من الجوائز، منهم محمد عبد الأمير وحيدر حسين، وعلى الرغم من كونها أفلاماً قصيرة، إلا أنها تعد تجارب واعدة تضعهم على الطريق الصحيح"، وأضاف مرزوق: "نتابع ونرعى هؤلاء الشباب، ونحاول معهم إحياء ثقافة المشاهدة وصناعة الأفلام في الديوانية، ففتحنا أبواب قصر الثقافة مشرعة أمام تجاربهم، فشاهد الجمهور أفلاماً متنوعة وبشكل أسبوعي"،  وأشار مدير قصر الثقافة إلى تبني منتدى الأربعاء الثقافي في إذاعة الديوانية مشروعاً مماثلاً معرباً عن أمله في إنشاء دار عرض سينمائي، كونه سيكون من أبرز المشاريع الثقافية التي تحتاجها الديوانية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً أن السينما هي مصدر من مصادر الثقافة والوعي في المجتمعات .

عرفت الديوانية متعة مشاهدة السينما في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، وبحسب الباحث غالب الكعبي، فإن أول دار سينما شيدت في المحافظة (متصرفية لواء الديوانية يومذاك) عام 1936، هي "سينما فؤاد" نسبة إلى لصاحبها الوجيه صالح الفؤادي، الذي هو أيضاً صاحب امتياز أول جريدة صدرت في الديوانية عام 1931   وشيدت هذه السينما، التي تقع في الصوب الصغير قرب تمثال الجندي المجهول المندرس، في مدخل الفرقة العسكرية الأولى، وأضاف الكعبي:"وبنى جاسم البو جمعة (الأسرة الشهيرة في تأسيس سينمات الديوانية) سينما "زهرة الفرات" في العام1950 في منطقة الصوب الكبير وتحول اسمها فيما بعد إلى سينما الجمهورية، بينما شهد العام 1950تأسيس سينما النجوم لصاحبها عكوبي آل زبيبة في منطقة الصوب الصغير، التي احترقت بظروف غامضة، فحلت مكانها "سينما

الثورة".

ويرى الكعبي أن "سينما غرناطة" الواقعة في الصوب الكبير مقابل مديرية الإشراف التربوي أسسها جليل الريس، وفي  العام نفسه افتتحت سينما "الحمراء" الصيفية التي بناها ابراهيم أبو عميمة، والتي تقع قرب نهر الفرات، ويضيف الباحث "شهد العام 1973 إنشاء أكبر دار سينما في مدينة الديوانية سميت بسينما "الخيام" لأسرة البو جمعة، الواقعة في الصوب الكبير مقابل سينما "الحمراء"، فضلاً عن سينمات أخرى تأسست خارج مركز المحافظة، أبرزها "سينما "الشامية"، وأخرى "في أبو صخير" التي كانت تتبع إدارياً إلى الديوانية.

وذكر الكاتب والباحث د. شفيق المهدي في كتابه "سينمات العراق" موقفاً طريفاً حصل في سينما "الجمهورية" الصيفية التي تقع في الصوب الصغير مقابل النهر، إذ اشتعلت النيران في مشهد من الأفلام المعروضة فهاج الجمهور وبدأ بالصراخ تفاعلاً مع المشهد، فسمع الجيران الصراخ والعويل فصعدوا إلى سطوح منازلهم وشاهدوا النار المشتعلة في الشاشة، فهرعوا إلى إخبار الاطفائية، التي أرسلت سيارتها إلى السينما من أجل الإنقاذ، لكنهم تراجعوا بعد أن عرفوا أن الحريق هو مشهد من 

الفيلم.