خضير الزيدي
لا تخلو أعمال الفنان الكردي خيري آدم من انتسابها الى البيئة الكرديَّة فهو مسكون بتلك القاعدة من الأصول التي ينتمي إليها اجتماعياً ونفسياً، وقد تجسّدت في لوحاته الغارقة في الواقعيّة أو الانطباعيّة ثنائيّة لم تنفصل بين المرأة ككيان كردي وبين البيئة والأجواء كمساحة من حقل انتماء لا يفارقه وقدر لها الفنان أن يجد معادلاً بين الاثنين (المكان والمرأة) من خلال روحيّة الأزياء وبهرجة الألوان وطبيعة الحياة العصريّة والريفيّة التي يعيشها في دهوك وأربيل والسليمانية ومثل هذه الأمكنة تبقى في ذاكرتنا جميعاً لما تحتويه من تصورات جماليّة وطبيعة خلّابة يضاف لها روحيّة وإنسانيّة الإنسان هناك فكيف نجح الفنان في تحقيق أعمال فنيّة ينشدُّ لها المتلقي لما تحمله من دلالات وسمات شكليّة؟.
استطاع خيري آدم أن يخط لنفسه أسلوباً فنياً يميزه عن أقرانه أولا من خلال هاجس البيئة الاجتماعية وتصورات وحالات المرأة واسترخائها وهدوئها وتأملها للطبيعة وبدت حركات المرأة وكأنَّها في عالم من الأحلام من خلال وضعيّة جلوسها او استلقائها على الأريكة والابتعاد من خلال ملامح وجهها عن التعقيد والكآبة والغموض، في لوحاته سنجد هناك ملامح لكائن بشري متحرك في طبيعة تصورات قوامه إلّا أنَّ الملفت أن تصوره للشخصيات لن يكون بعيداً عن العمق من خلال التركيز على الرمزيَّة والايحاءات وتحديد عناصر الصورة التي على أساسها تم تثبيت (التشخيصيَّة) لا توجد غرابة في لوحاته لأنّه يوجه خطوطه وعناصر بناء لوحته بتقديم أقرب للدرس الاكاديمي، لكن الغرابة في انسيابيّة الأشكال واسترخائها وضربة الفرشاة وهيمنة الشعور بالنقاء على لوحاته فهو يظهر مقولة الدرس الاكاديمي بينما تميل مخيلته الى ضرب من المغامرة في التشخيصيَّة فكلّ حساباته من حيث الأبعاد نراها دقيقة لهذا يبدو الشكل المرئي أمامنا يفرض مهارته ويترك تأملا وراءه مما يجعل العمل الفني وحدة متكاملة ينبغي الالتفات
إليها.
تهيمن المرأة بشكل واسع وكبير على لوحات هذا الفنان ويمكننا القول إنَّها العنصر الأساس في تثبيت أركان بنائيته الفنيَّة والجماليَّة سواء جاءت عبر درس المدرسة الانطباعيّة او الواقعيّة لكن خياره لم يبتعدْ عن أن يكون أمثولة وأساساً ومرجعاً لقيم الإنسانيّة في العمل الفني.
وهو سياقٌ مضى عليه خيري آدم ليجد لنفسه اتجاها ومكانة بل ومرجعيّة أسلوبيَّة يريد الحفاظ عليها وفقا لإملاءات قيمة التكوين الفني واشتراطاته الجماليّة وتعزيز خطاب الفن كأنّه يثابر وبقوة وإصرار كبيرين على منح المتلقي فناً ذا رسالة إنسانيّة من خلال إعلاء الهواجس والسمات الخبيئة داخل نفسيّة المرأة، إنّه غور عميق واحتكاك مباشر مع هذا الكائن ليس من باب العطش والهوس الايروتيكي، بل لإعلاء مظاهر جمالية الشكل ورفعته بعيداً عن مظاهر الإغراء.
إنّه ايقاع نفسي من نوع يضفي السمة الشعوريّة لتمثيل جزء من مظاهر الهيام وسيتحقق في خطاب اللوحة ما يُحدد هيمنة الشكل على ما هو متخيل وسط تصوير دقيق لخلجات العاطفة ومستويات هواجس الفنان، فقد نجد عملا تشخيصياً مليئاً بالبساطة، وكأنّه بعيدٌ عن التكليف البنائي ونجد نسقاً من علاقات وعناصر في وحدة التكوين بما يجعل العمل الفني يُدار بمهارة وبطريقة لها غايات وحسابات لا يعيها إلا من خبر لوحات الفنان خيري آدم.
إذ تتجلى قدرته الفنية في تعميق كل ما من شأنه ان يتعلق بالسمات المحلية ذات الطابع الكردي حيث اللباس المزوق والمبتهج بألوانه ثم التركيز والانفتاح في ملامح الوجوه الآدميّة التي توحي بالبراءة والبساطة، وهنا نقف عند إرادة ومخيلة الفنان ومجاراته لطرح التصور التعبيري الذي يبرهن على طراوة الغاية من استشراف التحولات التي تخص ملامح المرأة الكردية بزيها التقليدي.. هذا الاتجاه في الفن هو وريث غايات متعددة منها الانتماء للبيئة واللحاق بأسلافه الفنانين ممن وظفوا هذا الادراك وبرهنوا عليه عبر رسم أجواء كردية واحتملوا موقفا صريحا من الانتماء للطبيعة حيث الجبل والوديان والأزياء التقليدية للرجل والمرأة معا، لكن ما يجلب لنا النضارة في التركيز على لوحات فنانا خيري آدم ستكون حادثة تفصح عن أواصر اتجاه فني يرتكز عليه نفر من الفنانين الكرد في توظيف البيئة والأجواء المحليّة وتبقى للمرأة في لوحاته المكانة الواسعة وهو انتقاء وتأسيس لخطاب فني جمالي يبين للمتلقي قوة المشاعر ومآثر انسانيّة الإنسان في تلك المدن الغارقة بالأحلام والتحرر، لنقل إنّه رسام مشاعر يعيد لنا درس المحبة ونوايا القلب الصادقة ويرمي بتصوراته التعبيرية ليفرض علينا عبر تنوع لوحاته ما يضيف للفن الواقعي والانطباعي محاولات في التأمل ورفعة الكائن البشري.