الجوائز الأدبيَّة.. ما لها وما عليها

ثقافة 2023/08/29
...

  باقر صاحب

خوضنا في موضوعة الجوائز الأدبيَّة العالميَّة عامة والعربيّة خاصة، ينبع من أن الحديث عنها في الصحافة الثقافيّة العربيّة ما زال يتجدد، ويتم تناوله من زوايا عدة، وأهمها إيجابياتها وسلبياتها.
 إن اندفاع الكتاب العرب مثلا، نحو المشاركة في الجوائز الأدبيّة، خاصة تلك التي مبالغها مغرية، هو نوع من إيجاد الحلول التي من شأنها تحسين أوضاعهم الاقتصادية البائسة.
فغالبيتهم لا يستطيعون أن يعيشوا عيشاً كريماً، من كتاباتهم في الصحف أو الدوريات الأدبيّة، أو من كتبهم، وبموجب إدراكهم لهذه الحقيقة القاسية، ينخرطون للعمل في مؤسسات حكومية أو أهلية لضمان موارد ماليةٍ لهم ولأسرهم. وهناك القلّة القليلة منهم، تدفع لهم دور النشر مبالغ وفق عقدٍ خاص، مقابل التزام الكتاب بنشر كتبهم الواحد تلو الآخر، أي ما يُسمّى الاحتكار، بعد تيقّنها بأن الكاتب المعني تحقّق كتبه مبيعات كبيرة تعودُ بالمنفعة المادية لها، فتمنحهم نسبة من الأرباح بموجب عقدٍ خاصٍّ بينها وبين الكاتب.  وهنا يجب أن نشير إلى أن غالبية دور النشر، لا تستقبل جميع الأجناس الإبداعيّة، فهي تعدُّ الشعر، مثلاً، غير مقروءٍ الآن، وأنّ الرواية فنُّ العصر. تقول الكاتبة السورية رشا عمران في مقالتها ( الأوضاع الاقتصاديّة المتردية وجوائز الرواية) بأنَّ “لقب (كاتب) بات يُطلق على الروائي فقط؛ ومفردة (الأدب) تصبح حالياً كما لو أنّها مختصّةٌ بالرواية لا بغيرها؛ وعندما يتباهى قارئٌ معيّنٌ بعدد الكتب التي قرأها خلال مدةٍ زمنيّةٍ معينة سوف نلاحظ أن 99% مما يعرضه من الكتب التي قرأها هي أعمالٌ روائيّةٌ متنوّعة”. كما تندهشُ عمران من هذا الإقبال على قراءة الرواية خاصةً، بوصف أن القراءة “من الرفاهيات التي لا تُتاح لفئاتٍ واسعةٍ من الشعوب العربيّة اللاهثة وراء لقمة عيشها”، بما معناهُ أنَّ هناك مفارقةً في الأمر، تزيدنا إدهاشاً في ظل سيادة وسائل التواصل الاجتماعي والمنصّات الترفيهيّة كما تنوه إلى ذلك عمران.  لكن علينا أن نقرَّ بأنَّ إثراء المبدع نتيجة فوزه بجائزة أدبيّة ضخمة يُعدُّ من إيجابيات الجوائز، فهو يحصد الشهرة، فضلاً عن إعادة طباعة الرواية الفائزة مرّاتٍ عدّة، مع تحقيق طبعاتها نسباً كبيرة من المبيعات. وقد تدفع تلك الامتيازات المبدع للتفرّغ والسفر في أنحاء العالم، واكتساب رؤىً ومعارف جديدة، يغني فيها أعماله الجديدة. وهنا نشير إلى أن المؤسسات المتبنية للجوائز، فضلاً عن دور النشر، هي من عملت على توجيه بوصلة القراءة لفن الرواية، عبر جوائزها المخصّصة غالباً لهذا الفن. ومن الصواب القول أنّه يحصل تحفيزٌ للقرّاء العاديين في قراءة الروايات الفائزة، يدفعهم الفضول، وتشحذهم الإثارة الكامنة في مضامينها، ناهيك عن تعمّق الكتّاب ذوي الصلة بالكتابة الروائيّة بأسباب فوز الرواية من دون تلك، أو قد ينظرون بعين الخيبة والإحباط لعدم فوز أعمالهم إن كانوا مشاركين، ولربما قد يكونون غير محظوظين، يقول الروائي الفرنسي، الذي تحقق أعماله وترجماتها نسب مبيعات عالية جداً، إنَّ ذلك يعود إلى ثلاثة أركان “العمل والحظ وتفرّد الموهبة” .
 أسهم حصول الرواية على حصّة الأسد بالجوائز في  تحفيز كتاب الأجناس الأخرى كالشعر والقصة القصيرة والنقد على  كتابة الرواية، فينجز أحدهم، مثلاً  روايةً، ويرسلها إلى مؤسسة الجائزة الفلانية، وقد ينجز أخرى مخصصةً لجائزةٍ تتبناها مؤسسةٌ أخرى.  وهذا ينعطف بنا الى القول إن الكثير من الكتاب قبل أن يروموا الكتابة الى جائزة معينة، يتفحّصون ما هي متبنياتها الآيديولوجية، كي يصوغوا رواياتهم على ضوء تلك المتبنيات، وهنا أصبحت الرواية مؤدلجة. شخوص الرواية وأحداثها كلها تصب في تلك الرؤية الآيديولوجية.
وهنا يكمن الجانب السلبي، الذي يحسب على الجوائز الأدبية، أن تكتب على مقاس ما يريدون، لا على وفق ما تريد أنت، المهم أن تفوز، وينتعش مستواك الاقتصادي، وهنا يكون قد خرج الكاتب عن موضوعيته، ورؤيته الخاصة عن العصر والمجتمع والعالم الذي يعيش فيه. ويقيّم الناقد والاكاديمي السعودي سعد البازعي، في أثناء أمسية ثقافية بعنوان (الجوائز الأدبية وآثارها: البوكر أنموذجاً)، تقييماً موضوعياً لهذه الإشكالية، بالقول “لا تخطر ببال الكثيرين الجوانب الآيديولوجية والسياسية التي كثيراً ما تؤثر في نشوء الجوائز وفي منحها وهذا في الحقيقة جزءٌ من تركيبة الثقافة بشكلٍ عام، والثقافة تتحرّك ككلّ المنتجات البشريّة بفعل دوافع مختلفة” أي بمعنى أن ننظر إلى الأمر نظرةً واقعيّة، بعيداً عن التشديد على الجانب السلبي فيه.  يمكن أن نشير إلى سلبيات الجوائز بعدم وجود معايير واضحة، بل هي خاضعة لأمزجة لجان التحكيم، وأذواقهم الشخصية، بل يذهب بعض الكتّاب والمراقبين لما يجري خلف الكواليس بأنَّ استحقاق الجوائز يشوبه عالم المحاباة، إلى الدرجة، التي نخرج فيها باستنتاج، بأنّ القليل من الجوائز نيلتْ عن استحقاق، وقد تكون مبالغها متواضعة، لكنّ الجوائز التي تحمل أرقاماً كبيرة، يكون الاستحقاق عن جدارةٍ بعيداً عنها، كما يذكر الشاعر والكاتب العراقي هاشم شفيق في مقالة له بهذا الشأن، فهذه الجوائز “كأنما تقف وراءها عصبةٌ سريّة، غايتها الحفاظ على عملها المُدار من قبلها، كلجنةِ التحكيم ولجنة القراءة، وربما هناك لجانٌ للمتابعة والتنسيق والفرز والحفظ. كلُّ هؤلاء يعرفون بعضهم، ويتنادون إلى لجان الجوائز، هم أنفسهم، ليمنحوا في المآل الجائزة لمُقرّبٍ منهم، من رؤيتهم وتفكيرهم ونهجهم الأدبي”.  
وهذا لا ينطبق على الجوائز العربية فقط، بل على أشهر وأضخم جائزةٍ عالميّةٍ مثل نوبل، التي مات كتّابٌ عالميون يستحقونها من دون الظفرِ بها مثل الروائي الروسي ليو تولستوي والروائي الفرنسي مارسيل بروست والروائي الايرلندي جيمس جويس والكاتب الارجنتيني بورخيس، وفي كلِّ دورةٍ لها تكون محطَّ انتقادٍ شديد، بعد إعلان فوز من لا يستحقُّ الفوز، وعلى سبيل المثال لا الحصر فوز المغني الاميركي بوب ديلان. عربياً، لمْ يفزْ بها سوى الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ عام 1988، أي قبل 35 عاماً، أما آن أن يفوز بها عربيٌّ آخر، لا سيما أنّ هناك من يستحقّها من العرب الأحياء وهم مرشّحون منذ سنواتٍ عديدةٍ ولم يفوزوا بها، وأبرزهم المفكر والشاعر السوري الكبير أدونيس، لأسبابٍ مجهولة لا أحد يعلم بها سوى لجنة منح الجائزة والراسخون بالعلم بما يجري في كواليسها.