درجة التشبع

آراء 2023/08/31
...






 د. أثير ناظم الجاسور

وأنا اقرأ في إحدى الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، تم طرح سؤال حول لماذا يذوب الملح في الماء، كأن يكون كأسا ممتلئة بالماء ولا يذوب في البحر؟، والإجابة كانت هي وصول ماء البحر لدرجة التشبع التي لا تستوعب كمية إضافية أخرى لتذوب، الفكرة هنا مختلفة عن ما أنوي طرحها، بل هي مغايرة تماماً عن الكيمياء وهذا العلم بقدر ما أحاول أن أضع تركيزي على مساحة التقبل والتكيف، التي من الممكن أن يصل إليها الفرد بعد أن يتعود ذهنياً وجسدياً على حالة أو حالات معينة يصل من خلال قناعاته إلى درجة التشبع بها والتكيف أو لربما يوهم نفسه انه قد تشبع أو تكيف معها، كل فرد أو حتى الجماعة تعيش ضمن بيئة قد لا تختار من خلالها سُبل عيشها أو الوسائل، التي تساعدها على العيش بالقدر الذي تجد فيها مجموعة من الظروف تعمل على خلق بيئات متعددة وفق معايير مغاييرة للرغبة والارادة التي بالضرورة هي من تُحدد عملية التعاطي من عدمه بالنسبة للفرد أو الجماعة، وهذا أيضا بالضرورة ناتج عن جملة من العوامل المركبة، التي انتجت قضايا وأحداثا زادت العقل والتفكير تعقيدا، وبالرغم من أن الكثيرين يعملون على تبسيط الأمور وتسطيح القضايا بالنتيجة، فإن العمل على التدقيق والتركيز والتمحيص، يكون عملاً شاقاً ناهيك عن مخاطره المادية والمعنوية.
الحالة السياسية والاجتماعية العراقية شهد هذا النوع من التشبع أو التكيف مع كل القضايا، التي مرت على الدولة منذ تأسيسها ولغاية اليوم، لكن هذا لا يعني من أن العراق يخلو من محطات مشرقة مثل الانتفاضات والاعتراضات والحركات الاحتجاجية، التي بالضرورة تُعبر عن امتعاض واعتراض على واقع لابد من تغييره، لكن النموذج الاعم هو ذلك النموذج المُتكيف مع الحالة أو ذلك، الذي لا يمتلك الادوات الفكرية والعملية المنطقية التي تساعده على اتخاذ اي اجراء، مما يعمل في النهاية على الغوص في القضايا، ومن ثم ينتقل لمرحلة التشبع بالبدء بعدم الذوبان فيها وبالنهاية يتكيف مع كل مخرج قد يُحدد مصيره، وهذا ما حصل للفرد العراقي، الذي بات متشبعاً لدرجة التكيف مع الإجراءات والممارسات الصادرة عن السلطة، فضلا عن تشبعه بها من خلال استنتاجاته التي لعب دور كبير للوصول لهذا الحال، فقبل العام ٢٠٠٣ وبذروة الحصار الذي استهدف المجتمع العراقي اكثر من النظام وبسبب السياسات المتبعة، بات المجتمع العراقي متشبعا بالشعارات التي اسهمت في أن يكون الهدف الرئيسي لسياسة النظام ومخرجات الأنظمة الأكبر فيما بعد ( الاقليمية - الدولية).
 مع كل ما حدث في العراق سواء كانت الازمات التي أثرت على طبيعة إدارة النظام السياسي أو تلك النتائج التي استقبلها المجتمع، لا سيما التي استهدفت حياته ومتطلباتها أصبح الأخير متشبعا بها، لدرجة عدم اكتراثه بها مهما كانت خطورتها، وبالرغم مما يعانيه اليوم من أزمات متعددة، سواء داخلية تمثلت بالكهرباء والمياه ومخرجات النظام السياسي التي تسببت بكل كارثة وأثرت في متطلبات الحياة الكريمة، إلا أن التكيف الحاصل مع ما يحدث على اقل تقدير للوضع الحالي، الذي هو نتاج السنوات الماضية دليل على أن عملية إضافة أزمات جديدة قد لا تؤدي لأي ردة فعل حالية الناتجة عن التكيف الحاصل، وهذا يعني أن القادم بالرغم من سوداوية ما يتم طرحه ورسمه، سيكون وفق ما يتناسب ومن في السلطة اي بعيداً عن مصلحة الشعب العراقي، بالتالي كل الوعود وكل ما يمكن أن يقدم للشعب مهما كانت درجة الجدية في تقديمه سيقابل بعدم اكتراث كبيرة، فضلا عن غياب الثقة التي انتجت تشبعا كبيرا من قبل الشعب لأي وعد أو اجراء يُتخذ، والسؤال هنا هل بات الشعب العراقي متكيفا مع من يحكمه؟، وهل تشبع بالازمات لدرجة عدم الذوبان فيها؟.