حاوره: أحمد عساف
قبل أعوام عديدة، تخرج الفنان التشكيلي عصام المأمون من كلية الفنون الجميلة- جامعة دمشق. منذ تلك اللحظة سعى لتأسيس بصمة تخصّه في عالم التشكيل.
على إيقاع روحه صاغ إبداعات واشتغالات فنيّة توقفنا عندها بكثير من المحبة طويلًا. الفنان عصام المأمون الذي تجاوز تعاليم كلية الفنون الجميلة، ليبدع لذاته حالات وابتكارات تخص بصمته الفنيّة. هو من الحالات الفنيّة المتميّزة في المشهد التشكيلي السوري.
* كان من الممكن أن تكون مهندساً مدنياً، أو مدرساً ناجحاً للموسيقى. لماذا الرسم؟
- الرسم قدري وحظي من الدنيا. بعد نجاحي في الثانوية العامة، كانت علاماتي تؤهلني للانتساب إلى كلية الهندسة المدنية. وهي كانت رغبة أهلي. لكنني انتسبت إلى كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق. لن أقول لك كما يقول الكثير من الفنانين إنّهم، ومنذ الطفولة كانوا يحبون الرسم، وإنّني كنت كذلك. ولدت لأسرة دمشقية تميل إلى الثقافة والأدب والفن. أبي كانت لديه تجارب في الشعر والرسم، وكان يرسم أمامي بعض الأشياء، وكأنّه يدعوني للرسم ومن وقت مبكر. الرسم هو الذي اختارني وبرغبة كبيرة مني.
* حدثنا عن كلية الفنون الجميلة قبل أربعين عاماً؟
- لم نكن أكثر من 20 طالباً وطالبة. تحت إشراف نخبة الفنانين السوريين الذين كانوا يدرّسوننا حين ذاك منهم: (فاتح المدرس، الياس الزيات، علي السرميني، خالد المز.. وغيرهم). ولقلة عددنا وتميز خبرات مدرسينا نلنا الكثير من الاهتمام والرعاية والعناية الفنية.
* بأيِّ المدارس الفنية كنت متأثرًا في تلك المرحلة؟
- بالانطباعيّة. وكنت أحب فان غوخ، وأكثرُ من اللون الأحمر والأزرق والأخضر، في لوحاتي. وفيما بعد أحببت بيكاسو بمرحلته الزرقاء، ومرحلته التكعيبيّة.
* إلى فترة الحرب في سورية، واسأله كيف كنت ترسم في الحرب؟
- قبل الحرب كنت أوازن ما بين عملي في فن الديكور وما بين الرسم. ومع اندلاع الحرب اللعينة، تفرّغت للرسم وبدأت أرسم بغزارة، وتأثرت تماما بقسوة الحرب التي حيكت ضد بلدي. فانسلّت الشخصيات المأساوية التي عانت من لعنة الحرب وويلاتها، انسلّت إلى لوحاتي.
وكانت لوحتي ملاذاً لأحزاني وآلامي في فترة الحرب. وفي كثير من الأحيان كنت أبكي وأنا أرسم، أبكي حزناً على ما كان يحدث من موت ودمار وقهر وتشرد وخراب، وحرائق وأحزان أكبر مما توصف.
* هل تطورت بعض الأشياء الفنية لديك في تلك الفترة؟
- ملت إلى إدخال بعض الأشياء إلى لوحتي مثل الأحجار والحصى والرمل والقماش والخيطان، والخشب الذي وجدت فيه لغة تعبيرية يمكننا التحدث بها من خلال تناغمها مع اللوحة. مثلما بيتهوفن وجد بصوت خرير الماء لغة موسيقيّة وألّف منها بعضا من سيمفونياته. وجدت من إضافتي لبعض مفردات الطبيعة، بعدًا جماليًا ومعرفيًا للوحاتي.
* وعن مفهومك للمعاصرة في الفن؟
- بعدما تمرّدت على كثير من المدارس القديمة، واصلت البحث نحو الفنون العالمية الحديثة بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة من خلال (الميديا).
أرى الفنان المعاصر وبعد عصر النهضة، وبعد ظهور العديد من المدارس الفنية الحديثة مثل التكعيبية والانطباعية والسوريالية وغيرها. وبعد أن يبتعد عن سطوة تلك المدارس، ويذهب إلى مدرسته التي تخصه. حين ذاك ستكون له خصوصيته ويكون فنانًا معاصرًا يشار إليه بالبنان. وأنا مع حق الفنان المعاصر في استخدام جميع التقنيات الفنية الحديثة وتوظيفها في لوحته، لتقديم لغة بصريّة وفكريّة حديثة تتناسب مع تقدم الفن المعاصر.
* في سنوات الحرب قدمت ثلاثة معارض فرديّة. وإن كانت متباعدة زمنيًا. هل كان ثالوثها الحب والفن والحرب؟
- أقمت ثلاثة معارض فرديّة في فترة الحرب، اثنان منها في (الرواق- صالة لؤي كيالي). والمعرض الثالث في صالة (زوايا - في باب توما).
في هذه المعارض كانت تجربتي الفنية قد تغيرت ملامحها قدمت أعمالًا بمقاسات مختلفة وبتقنيات مختلفة، حازت إعجاب الأساتذة والجمهور ووسائل الإعلام. كان منظر الدم يظهر في لوحاتي يقابله البياض، الأحمر لون الدم الذي كانت الحرب تنثره على الأرصفة، والأجساد المتناثرة من تشظيات الحرب. يقابل الأحمر البياض الذي يعادل ياسمين الشام ببياضه وتفرد عطره، كنت أحب إيجاد بصيص أمل في ذروة الحزن والدمار. واعتبرت ذلك رسالة الفنان للجمهور، غرس وردة الأمل، وحب الحياة في قلوب الناس.
* وعن التطورات والتقنيات التي أضافها للوحاته؟
- بعد استعمال مواد كثيرة على سطح اللوحة مثل القماش والحجر ولحاء الشجر وتخديمها لإغناء سطح العمل ليكون محفزاً اكثر في التأليف. فعلت ذلك في معرضي الأخير بصالة زوايا. حيث استخدمت على سطح العمل الفني، قطع من لحاء النخيل بأشكال (روليفية) نحتية بارزة، وبحجم الأجساد البشرية الحقيقية بأشكال تعبيرية وكأنها هياكل إنسانية تبثق من سطح العمل، للخروج من تلك الحالة مع خلفيات مدمجة بطريقة التصوير، والغرافيك ليكون مشهدًا بصريًّا يحمل عدة اختصاصات وليكون مشهدًا بصريًّا معاصرًا لأنّه برأيي أصبح للفن مفهوماً حداثويّاً معاصراً.