قدوم الإقطاع الجديد

ثقافة 2023/09/12
...

   علي العقباني

صدر  في دمشق عن الهيئة العامة السورية للكتاب كتاب جديد حمل عنوان" قدوم الإقطاع الجديد... تحذير إلى الطبقة الوسطى العالمية" للكاتب جويل كوتكين" يكتب في الاتجاهات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة الاميريكية"، ومن ترجمة د. نايف الياسين المدير العام للهيأة العامة السورية للكتاب، الأستاذ الجامعي وصاحب العديد من الكتب المترجمة المهمة التي تزيد عن 12 كتاباً".
ليس جديداً إعلان موت الطبقة الوسطى، وما الذي أوصلها إلى حالة الوفاة، يقدم هذا الكتاب الجديد العديد من المقترحات والمجادلات النظرية فهو يجادل معرفياً وفكرياً واقتصادياً  بأن الاتجاهات الاقتصادية والسياسية الراهنة تؤدي إلى ظهور شكل جديد من الإقطاع، حيث تسيطر نخبة محدودة العدد على معظم الثروة والسلطة، بينما يتضاءل ما تبقى من المجتمع إلى طبقة دنيا تابعة لا تتمتع بأي درجة من السلطة، وما يخلقه هذا التفاوت في المستوى من مشكلات.
ويحدد المؤلف العوامل المختلفة التي تسهم في تكوين هذه الاتجاهات، بما فيها تركّز الثروة والسلطة في أيدي أقطاب الأوليغاركية" حكم الأقلية وهي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع تتميز بالمال أو النسب أو السلطة العسكرية، وتراجع إمكانية الارتقاء الاجتماعي، عند الكثير من الناس والمجتمعات وربما الدول، وكذلك تآكل المؤسسات الديمقراطية، وتنامي النزعة الاستبدادية التي اعتقد كثيرون أنها ولت إلى غير رجعة مع انتهاء عصر الاستعمارات الكبرى والنزعات الاستعمارية العدوانية لاحتلال الدول، واقطاعات الدول أو الأفراد بالمفهوم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي كان سائدا قبل عقود.
يقدم الكتاب توصيات بشأن تفادي هذا المستقبل الديستوبي " مجتمع غير فاضل تسوده الفوضى،عالم ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، باختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته يتحوّل فيه المجتمع إلى مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً، وباختصار هي المدينة الفاسدة"، والذي يتمثل في أمثلة منها تشجيع المحلية واللامركزية، وتعزيز قوة الطبقة الوسطى، وترسيخ درجة أكبر من المنافسة الاقتصادية والسياسية. ويحذر من التبعات المحتملة للاتجاهات الاقتصادية والسياسية الراهنة، والتي بدأت تسود العالم بشكل وحشي صارخ، ويحث القرّاء على المبادرة إلى القيام بكل فعل ممكن لمنع ظهور نظام إقطاعي جديد.  
فها هي شركات التكنولوجيا العملاقة تعتمد على قوى عمل شابة وملتزمة دون أسر أو أطفال؛ ومن ثم فإن لها مصلحة في تشجيع الشباب على اتباع أساليب حياة تبعدهم عن تشكيل الأسر وتبقيهم في حالة "مراهقة دائمة". ويأتي تشجيع المثلية الجنسية في هذا السياق، وتبعاً للكثير من المؤشرات الديموغرافية والعلمية والاقتصادية يُتوقَع أن يسيطر أغنى 1 بالمئة من سكان العالم على ثلثي ثرواته في عام 2030.  
- في الصين الشيوعية، يملك أغنى 1 % من السكان، الآن، ثلث ثروة البلاد
- في عام 2018، كان أجر العامل المتوسط في شركة أمازون أقل من 30,000 دولار في السنة (على خط الفقر تقريباً في ولاية كاليفورنيا) ويعادل ما يتقاضاه الرئيس التنفيذي للشركة كل 10 ثوان.
كتاب " قدوم الإقطاع الجديد... تحذير إلى الطبقة الوسطى العالمية" والذي يقع في 374 صفحة من القطع الكبير والذي ضم ما يقرب من الـ      150صفحة كمراجع باللغة الإنكليزية، يتناول إحدى أهم القضايا التي تشغل المفكرين وصنّاع السياسات في الدول المتقدمة اليوم، وهي تغوّل الشركات الكبرى، وازدياد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، وتلاشي الطبقة الوسطى؛ وهو وضع بات يهدد النظام الديمقراطي الرأسمالي برمّته. طبقاً للكتاب، هذا شكل جديد من أشكال الإقطاع دعاماته الحكومات الكبرى، والشركات الاحتكارية الكبرى، والتقانات العليا، في تحالف يسميه المؤلف "الأوليغاركية الجديدة". ويخص المؤلف شركات تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي باهتمام خاص، ليس لأن أصحابها أصبحوا من إقطاعيي العالم المعاصر وحسب، بل لأنها باتت تصوغ وعي الناس وحياتهم على نحو غير مسبوق.
يحذر الكتاب من تبعات الإقطاع الجديد من حيث فقدان الفرص الاقتصادية، وتآكل التماسك الاجتماعي واحتمال قيام اضطرابات اجتماعية. ويجادل إنه ما لم تُتخذ خطوات لمعالجة هذه القضايا وتمكين الطبقة الوسطى، فإن العالم قد يتوجه إلى مستقبل يتَّسم بتفاقم انعدام المساواة والانقسامات الاجتماعية.
حظي الكتاب عند نشره باللغة الإنكليزية عام 2020 بمراجعات في كبريات الصحف العالمية، واستضيف مؤلفه في
أهم الجامعات العالمية للحديث عنه.