زهير الجبوري
منذ فترة ليستْ بالقصيرة وأنا أتابع تجربة الفنان التشكيلي العراقي ستار لقمان، فهو من فناني العراق الأكثر حضورًا وتواجدًا في الساحة الفنيَّة التشكيليَّة، وقد التقيت به ذات مرة في (جمعية التشكيليين العراقيين) ودار حديثٌ بيني وبينه حول ما قدّمه وما سيقدمه، وعن متابعتي لأعماله، في الحقيقة وجدت أنّه ينتمي الى الجذر المكاني والى البيئة بوصفها منتجة للجمال، وهذا دليل بروز هويته في عالم الرسم، فالأماكن البغداديَّة والشخوص انطوت على العلامة البارزة في أعماله، كذلك في اشتغالاته الأخرى في الطبيعة والأماكن المفتوحة، تعبر عن أسلوب له خصوصيَّة، ففي لوحاته ثمّة شعور وجداني وهاجسي تثيره العلامة في الشكل من خلال الإنشاء أو من خلال طريقة بناء اللوحة، ولعلَّ هذا الأمر أَبرزَ ملامح سطح اللوحة بشكل بَصري واضح..
الفنان ستار لقمان حين يبدأ في مشروع لوحته التي تُحاكي ثنائيَّة المكان والشخوص فإنَّه يتشبّع بشحنات المكان (بخاصة المكان الذي يسكنه ويعيشه)، ليخلق عبر رؤيته تفاصيل متماسكة لقصّة المكان في الحي الشعبي البغدادي، لتظهر حينها تراكيب الأشياء المكملة لبعضها في (المرأة البغداديّة ..، والشناشيل..، والطيور..، والسجاد..، وغيرها من التفاصيل)، وهذا ديدن العمل البيئي الذي يشتغل عليه كلُّ فنان، غير أنَّ فناننا هنا يخلق عبر وحدته التشكيليّة المتكاملة الأنموذج البرّاق الذي يجذب العين ويخلق دهشة في التلقي، والأمر الذي يجعل المتابع في غاية القبول..
كما لفتت أنظارنا في أعمال الفنان ستار لقمان، أن في كلِّ ثيمة داخل اللوحة الواحدة التي تتناول وحدة المكان وتفاصيله، تمثل مشروعا خالصا، بمعنى ثمّة علامة ثيميَّة لجسد المرأة البغداديَّة وما تحمله من جمال الأداء والحركة وطريقة الرسم والـ (الغنج) الواضح، إنما هو في الوقت ذاته التقاطة متفرّدة ويمكن أن تصبح مشروعا قائما لذاته، كذلك الشبابيك وأشكال الرجال والأطفال والطيور، فضلا عن ذلك نلمس طريقة الألوان واستخدامها، فمثل هكذا موضوعات تكون جميع الألوان حاضرة اذا ما كانت اللوحة معبرة عن صراحة المشهد في الواقع، فكانت الألوان الحارة والبارزة والقانية والمضيئة، تناظرها الألوان الباردة، كلّها في المشهد المكاني تكون برّاقة، حتى وإن كانت الموضوعات تحمل سمة النزعة التعبيريَّة، فهو أيضا ـ أي الفنان ـ اشتغل في هذه المنطقة وكانت له تجربة
واضحة..
اهتمام الفنان بالتراث الغنائي (ذكر ذلك في لقاء صحفي في إحدى الصحف) وبالحسّ الموسيقي (للنوتة) والمقام يجعل منه فنانًا له إيقاعه في الأداء وفي السلوك الفني، وحين نشاهد في بعض لوحاته الآلة الموسيقيّة بيد امرأة بغداديَّة أسماها (عود حبيبي) هو في حقيقته قراءة لحياة مكانية/ بغدادية، وكذلك لوحة (الجالغي البغدادي)، وغيرها من اللوحات، تعبر عن وعيه وثقافته وطريقة تناوله للوحات بوصفها تجربة حياتيَّة وفنيَّة معًا، فالارتباط بالواقع وما يحمله من أعراف وتقاليد عند أي فنان، إنما يعبر عن انتماء روحي فيه شحنات كبيرة، رغم أنَّ الفنان اشتغل على موضوعات عديدة في الفن التشكيلي كمناظر البيئة الريفية حيث بيوت الطين والأنهار، وأخرى تهجيات روحيَّة كلوحته (همسات ليليَّة)، وغيرها من الأعمال التشكيليَّة
الأخرى.
الفنان التشكيلي (ستار لقمان) له تجارب عديدة في معارض شخصيَّة وأخرى جماعيَّة داخل وخارج البلد، وتخرج من معهد الفنون الجميلة في العام 1967 ودرس على يد كبار فناني العراق، وهو ما يزال يطمح في تقديم المزيد من التجارب التي يراها جزءًا من تكوينه الشخصي والروحي، ونشعر بحيويته وتجدده المستمر في خلق أجواء فنيَّة تجعله أكثر استمرارًا في عالمه
التشكيلي.