ما لم يقله شتراوس في كتبه

ثقافة 2023/09/13
...

  وارد بدر السالم

هذا كتابٌ حواريٌّ نوعيٌّ أجراه الباحث الفرنسي ديدييه إريبون مع شيخ البنيويين وعالم الاجتماع والأنثروبولوجيا، كلود ليفي شتراوس. شغل أكثر من 300 صفحة. بعنوان (من قريب ومن بعيد). ومن الطبيعي أن نتوخى في مثل هذه الحوارات العميقة، أن نلامس العمق الثقافي للمحاور، فأفضل من يتحدث عن كتاباته هو الكاتب ذاته. لذلك نجد بأن هذه المحاورة الذكية هي سيرة ثقافية وعلمية لشيخ البنيويين شتراوس الذي طبّق التحليل البنيوي على الإنسانيّة في مؤلفات كثيرة “وطور مفهومه المؤثر للأنثروبولوجيا الهيكليّة، فضلا عن نظريات جديدة عن الأساطير والقرابة”.

المحاورة الطويلة ليستْ سيرة شخصية لصاحب “المدارات الحزينة”، مع أنّها شغلت الربع الأول من الكتاب. بل هي انفتاح عالمي على الثقافات الإنسانيّة، عبر بنيوية الأنثروبولوجيا التي مدّدت آفاق شتراوس، وهو يحاور الحياة الاجتماعية بطريقته الاستقرائيَّة.

حتى الألقاب التي كان يستحقها “عميد البنيويين، شيخ البنيويين، رائد البنيوية المعاصرة، مهندس الفكر المعاصر..” كانت مجرد ألقاب ثقافيّة وعلميّة، لم تكن تشغله عن إنجازاته البحثيّة في توحيد “مستوى الفكر والتفسير لتجربة المجموعات الثقافية التي تعيش في أنظمة مختلفة جدًا عن بعضها”، وكان تمسكه بالمنهج البنيوي في تطبيقاته الأنثروبولوجية، هو المهيمن الأساسي في اشتغالاته البحثيّة الرائدة. لذلك كان متفرّداً في استنتاجاته الثقافيّة ورؤاه الحاذقة وهو يدرس المجتمعات ويفكك آليات تكويناتها الاجتماعية والثقافية، فحين رأى “أنّ الدماغ البشري كان مجهزًا مسبقًا لتنظيم العالم تنظيمًا هيكليًا”، كانت معطياته المنهجية مثار اهتمامات الباحثين، فوظيفة عالم الأنثروبولوجيا كما يقول “هي البحث عن المنطق في داخل نظام ثقافي وتفسيره”. والبنيوية كمنهج ثقافي ساعدته على الوصول لمنطق التجارب التي أجراها هنا وهناك في أجزاء من العالم.

في هذا الحوار الطويل، المفتوح، الذكي، يتجلى شتراوس في إجاباته العميقة، وقال ما لم يقله في كتبه على نحوٍ مباشر. ففي مثل هذه الحوارات الحيّة والصعبة أيضاً، يتكثف الكاتب حتى ليبدو كأنّه كتاب مفتوح. حتى استوقفتنا برصد القراءة بعض مما قاله شتراوس، من أفكار، واصداء معرفة عميقة، ورؤاه النقدية والثقافية لمجايليه، عبر هذه الشذرات التي نجدها متنوعة، وليست اختزالًا لمعرفته الشاملة.

ما قاله شتراوس:

• تنقصني المخيلة دائمًا.

• إنَّ “العاري” قياسًا بالثقافة معادل “للنيء” في الطبيعة.

• عن سيمون دو بوفوار: دعوتها للغداء في منزلي، واذكر جيدا ذلك الامتعاض الذي نظرتْ فيه الى مهد ابني الوليد حديثًا.

• فوكو لعب دورا ايجابيا في اعادة الثقة بالفلسفة لجيل كامل.

• لم أحس أبداً أنني قريب من رولان بارت. ولقد تيقنت من هذا الشعور من خلال تطوره اللاحق، فبارت اللاحق ناقض تماما بارت السابق الذي لم يكن على سجيته بقناعتي.

• يذهلني ريمون ارون بصفاء فكره ودقة أحكامه.

• كان سارتر عبقريًّا. هو كائن فريد بموهبة ادبية هائلة وقدرة على التمييز بعدة أجناس.. جعل من الفلسفة عالمًا مغلقًا. وأخذتُ عليه  ليس إعطاء امتياز للتاريخ، بل بناء فلسفة للتاريخ تبدو لي منتمية الى عالم أسطوري.

• تفيد الأسطورة بأنّها تشرح لماذا أصبحت الأشياء المختلفة منذ البداية ولماذا لا تكون شيئًا آخر.

• لا يُستبعد أن الأسلاف قبل مليون او مليوني سنة كانوا يروون الاساطير على مر العصور.. إنَّ مسألة أصل الأسطورة تشبه مسألة أصل اللغة.. اللغة أداة معقدة وصعبة الاستخدام ومن المناسب معرفة مصادرها وقيودها.. وأنا ليس لديَّ أي موهبة في تعلّم اللغات، فأنا أكتب مقالاتي بإنكليزية غير صحيحة.

• لا أحب السفر بذاته.

• لا أكتب بفرح. بل بقلق وحتى بقرف.

• عندما يُنشر الكتاب يصبح ميتًا، منتهيًا، جسمًا غريبًا.

• عندما أمسك كتبي يُهيّأ لي أنَّ شخصًا آخر غيري هو الذي كتبها.

• اصبحت قادرا على رؤية الاشياء عن بُعدٍ اكثر.

• العلوم الاجتماعية أو الانسانية، لا تمتلك من العلم سوى الاسم.

• أنا كانطي فظ، وفي الوقت نفسه بنيوي منذ الولادة.. تعلمت من كانط ان للفكر قيوداً على واقع لا يمكنه الدخول اليه أبدا، كما لا يمكن ادراكه.

• إنّني لا أفهم  كل شيء، وهذا يغذي تفكيري.

• العلم لا يقدم لنا أخلاقا لاستخدامنا الشخصي فميدانه ليس الأخلاق.

• الاختلاف بين الثقافات هو الذي يجعل لقاءها خصبًا.. إنّ الفوائد التي تجنيها الثقافات من هذه الاحتكاكات تأتي بشكل واسع من الاختلافات النوعية بينها، لكن اثناء هذا التبادلات تتناقص الاختلافات حتى تختفي.

• انني مقتنع كاثنولوجي بأن النظريات العِرْقَويّة مسخ، وسخيفة في الوقت نفسه.

• اي مجتمع هو مجتمع متعدد الثقافة عبر نمط تشكله.

• اننا لسنا عقولا نقية من أي تأثير.

• أؤمن بالمعرفة العلمية. ويسحرني كل ما أتعلمه من الفيزيائيين والبيولوجيين.

• من اللحظة التي لا يعرف فيها الانسان حدودا لسلطته، ينتهي الى تدمير نفسه.

• أقول عن روسو، بأنّه لا يقنعني، لكنه يُحركني وإعجابي به جمالي قبل كل شيء.

• الذهاب لرؤية اعمال بيكاسو هي نوع من الحج بالنسبة لي، كأنني اذهب لتأدية فرض ديني.

• يمكن أن يطربني وقْع الأجراس مع أنها لا تكلمني.

• لكي تكون كاتبًا جيدًا، يجب أن تعرف مشاهدة نفسك كما يشاهدها المتفرّجون.  

• لكي نصل الى حكم صحيح على ثقافة ما، يجب الافلات من جذب أية ثقافة.