رندة حلوم
مسافرة في موج أنوثتها باحثة عن هواجس كلِّ النّساء عبّرت التّشكيليّة السّوريّة راميا حامد من خلال مقطوعاتٍ بصريّة مموسقةٍ بثراءٍ شاعريٍّ مشحون بالإيحاءات، أخذت حامد تهندس إحداثياتها الخطيّة واللّونيّة على إيقاع أنثويٍّ عميقٍ تتداخل فيه مفردات الإنسان والحيوان والنّبات لتنسج حكاياتها الوجوديَّة وحالاتها الإنسانيَّة المرهفة المثقلة بالهمِّ الأنثوي الآسر، وكأنّها تعيد صياغة الحياة في تشكيلٍ واحدٍ من خلال الإنصات لحواراتها الدّاخليّة من دون الانقطاع عن محيطها الخارجي، تنتقل حامد بين الداخل والخارج والوجدانيَّة
والوجود.
عالمٌ من السّحر في لوحات حامد وتمزيق الغلاف الشّفاف بين الواقع والتّخيّل، تتفجّر عناصر الجمال في لوحات الفنانة، فمن اللّقاء الأوّل بينها وبين المتلقي، تتولّد الدّهشة والانجذاب لعالمٍ أنثويٍّ أسطوريٍ جميل، ولا بدَّ للمتلقي من العمل على فكِّ الرموز والبحث عن عوالم الإيحاء من خلال عصور مرة أو زهرة أو غزالٍ بديع الطلّة كأنثى حائرة من أيِّ الحكايات تعبر إلينا. لكن المرأة كانت في لوحات الفنانة جميلة وجميلة جداً، هالة الجمال متفجّرة من جسد أنثى مشغول بحرفيّةٍ وفنيّةْ عاليةْ. من خلال الانسجام بين العلاقات اللونيَّة والمقاصد الذّاتيَّة للفنانة استطاعت عن طريق ادواتها الفريدة تمزيق الغلاف الفاصل بين الواقع والتّخيّل من خلال فترة من التّعايش العميق داخل التّجربة، وقد ينمُّ تأويل حركة الجسم والوجه في تشكيلهما عن طريق الفعل وردة الفعل في هذا
الوجود. ولكي يكون الاستنتاج النّقدي من داخل التّجربة كان لا بدَّ من فكِّ شيفرات الفنانة ومقاصدها التي عبّرت عنها مرّة باللّون ودلالات هذا اللّون ورميته في البُعد الإنساني والمعرفي كالأحمر والبنفسجي والأصفر الهادئ، ومرة برموز حيوانيّة رأينا ما يشبهها في لوحات مهمة عبر تاريخ الفن، فكانت رموزها طائرا صغيرا او غزالا صغيرا او دعسوقة كل هذه الرموز تحاكي ذات الفنانة الشفّافة كما تحاكي الإرث المعرفي في المخزون الفكري الدّلالي للثقافة الجمعيّة في الموروث العربي.
أمّا دخول حامد إلى أغوار المرأة من خلال الرّجل ومسرح الدّمى فكان نقلة جديدة، كان لا بدَّ من تعميق التّجربة لدى الفنانة واستغراق الجمال في التّعبير عن ذاته من خلال النّشاط البصري وتطوير المنجز.
هذه المرة دخلت حامد من باب مسرح الدّمى إلى قلب التّجربة الغنيَّة بأدوات هذا المسرح وتوظيفها لخدمة مقاصد الفنانة التي عبرت عن حالات المرأة الوجدانيَّة من خلال العلاقة مع الرجل وما تفضي إليه من إشكال نفسي وفكري، كان الخيط الذي يحرك الجميع واضحاً في تشكيلاتها الأخيرة فالكل مشدود بحبل أفكاره مرة وغريزته مرة وبخيط الفكر والتّقاليد
مرات.
مع الانشغال شبه المطلق بالفكرة وتحفيزها عن طريق الأداء التّقني للحفاظ على البريق الإبداعي، ولا أقول البصري، فهي لا تؤمن بالإبهار المتوقع، وإنّما بإدهاشٍ جماليٍّ تمخّضت أفكارها تلك وممارساتها التّشكيليّة في الاتجاه الموما إليه، وعدم التّمسك بالمنجز المرحلي وإنّما بالتّجربة.