علي حمود الحسن
كتب الزميل الناقد السينمائي عبد الكريم قادري منشورا على صفحته الزرقاء، أطلق فيه دعوة للمراكز الصحفيَّة في المهرجانات السينمائيّة العربيَّة مفادها بأن "تكون خيارتها مهنيَّة في دعوة الصحفيين، لأن هذا دورها الأساسي والأول"، فمن وجهة نظره "أنَّ أي دعوة تقدم خارج هذا السياق، هيَّ خيانةً وسقطةً أخلاقيَّة"، وأضاف متسائلا: "ما الذي قدمه المدعو؟ وما الذي سيقدمه؟ ومن أراد مجاملة صديقه أو صديقته، فعليه القيام بهذا على حسابه الشخصي"، وبهذا شخّص صاحب كتاب "سينما الشعر" واحدًا من أسباب عديدة، أسهمت في ضعف وتدني هذه المهرجانات، التي تعاني من أزماتٍ مستديمة أصلا ، فتحولت هذه المهرجانات إلى محض فعالياتٍ للعلاقات العامة، "يتمختر" فيها طفيليون لا يفعلون شيئًا سوى الابتسامة ببلاهة أمام " فلاشات" الكاميرات، والتقاط الصور مع المشاهير، بسببٍ ومن دون سبب، بينما من المفترض أن تكون أولى أولويات المهرجانات، هي تطوير صناعة الأفلام وتسويقها، وتبادل الخبرات مع التجارب العالميَّة من خلال دعوة صنّاع السينما ونجومها ونقّادها.
وعرفت البلدان العربيَّة المهرجانات متأخرة، بالنسبة لمثيلاتها في العالم، اذ انطلق أول مهرجان عربي في تونس عام 1966 بمسمى "أيام قرطاج السينمائية" مقتفيًا أثر مهرجان كان السينمائي المهيب، بعد ثماني سنوات أعلنت القاهرة مهرجانها السينمائي الأول، وعلى الرغم من تأسيس مهرجان دمشق السينمائي في العام 1972، الا نسخته التي نظمت في دمشق العام 1979، هيَّ علامته الفارقة، قبل ذلك كان مهرجان وهران الجزائري (1972) لتتولى مهرجانات أخرى شكّلت علامةً فارقةً، لكنها لم تستمر، منها مهرجان أبو ظبي السينمائي 2007، ودبي السينمائي 2004، ومهرجان الجونة السينمائي 2017، ومعظم هذه المهرجانات تمويلها حكوميٌّ، ما جعل خطابها ضمن توجهات تلك الحكومات، فضلا عن انعكاسات أزماتها على هذه الفعاليات، بعضها قاوم والكثير منها لم يصمد، وجاءت أزمة كورونا لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، فلم يتبق من تلك المهرجانات، إلا قلّة تحسب على الأصابع، ولأن السينما العربيَّة لا سيما المصريَّة، التي تشكل الثقل الأكبر إنتاجيا وتسويقيّا، هي أصلا تمرُّ بأزمةٍ حادةٍ على صعيد الكم والنوع، فقد انعكس ذلك على تلك المهرجانات، ومع ذلك فإن مهرجاناتٍ أيقونيَّةً وتاريخيَّةً على شاكلة القاهرة، ومراكش، والجونة، جدّدت نفسها واستعادت حضورها، إلّا أن آلياتها ما زالت كما هي، على الرغم من حيويَّة من تسنّم قيادتها، فمن يصدق أنَّ مهرجانًا عريقًا وتأسيسيًّا في عالمنا العربي، يخضع ترشيح الصحفيين والنقاد المزمع مشاركتهم، إلى مراسل صحفي لم ير فيلمًا في حياته، ولا يميّز بين المخرج الياباني كيرا ساو وبحيرة ساوة جنوب العراق، فيقصي نقادًا أو صحفيين متخصصين، ويرشح بدلًا عنهم شخصيات ليست لها علاقة بالسينما، ولا تعرف غير "الفهلوة"، و"التخادم المصلحي"، الذي يجملونه بمصطلح "العلاقات".