حين قتلت أوغستين فريزل رواية {آخر رسالة من حبيبك}

ثقافة 2023/09/18
...

  علي رياض


لا أذكر أني شاهدت فيلما بقصةٍ عظيمةٍ وسيناريو سيئ كفيلم "آخر رسالة من حبيبك"(the last letter  letter from your lover)      للمخرجة أوغستين فريزل والمبني على رواية بالاسم نفسه من تأليف جوجو مويس كاتبة رواية أنا قبل me before you)  رغم جودة الأداء للكادر التمثيلي، لا سيما البطلة شايلين وودلي.
يتناول الفيلم قصة جنيفر ستيرلنغ وزوجها رجل الأعمال الثري لورنس، حين يحدد الصحفي أنتوني أوهير موعداً لإجراء مقابلة مع الزوج، ثم تبدأ صداقة مع ستيرلنغ سرعان ما تتحول إلى علاقة غير شرعيَّة ترويها عددٌ من الرسائل تقع واحدة منها مصادفة بعد عدة عقود من الزمن بيد الصحفية إيلي، لتبدأ رحلة البحث عن باقي الرسائل بمساعدة موظف الأرشيف روري ماكالن. حيث نرى في الفيلم خطين زمنيين، الأول حين جرت الأحداث بين ستريلنغ وأوهير، والثاني مع مغامرة البحث عن هذين الشخصين ورسائلهما، والتي ستتحول لاحقاً إلى قصة حبٍ ثانيَّةٍ في الفيلم.
في بداية الأحداث يخبرنا السيناريست والمخرجة بطريقة مباشرة للغاية أن الزوج الثري (لورنس)، لا يحترم زوجته، وهو متعجرف مغرور ومهتم بعمله لدرجة إهمال الزوجة. كما يظهر في الحوارات الأولى للفيلم شيء من المعرفة الثقافيَّة والسياسيَّة للزوجة ستيرلنغ. لكن مع بدء العلاقة مع الصحفي أوهير، يتوقف النمو في جميع الشخصيات، حتى أننا لا نعرف مثلا حقل الصحافة التي يتخصص به العاشق، كما لا نعرف من هم كشخصيات، ولا مدى ثقافة ستيرلنغ وآرائها، التي قمعت عدة مرات من قبل زوجها، ولا حتى ما يحبون أو يكرهون، غير أن علينا كمشاهدين التعاطف مع قصة حب بين امرأةٍ متزوجةٍ وصحفي.
على الجانب الآخر، فإن قصة الحب بين الصحفيَّة إيلي وموظف الأرشيف روري، تبدأ من دون ملامحَ واضحة، كما لا نعرف عن هؤلاء الاثنين أكثر من الاثنين قبلهما. هذا الضعف في بناء الشخصيات جعل مسار الأحداث والقصة جامدًا لدرجة عراه من إنسانيته، فالزوجٌ رجلٌ سيئ، والعاشقان ظلمهما القدر عدة مرات، والصحفيَّة والأرشيفي سيجمعهما الحب رغم الفوارق الشخصية الواسعة. كانت هذه مخرجاتٍ غير مبررةٍ للمشاهد، لم تجد المخرجة ولا كاتب السيناريو أيَّ سببٍ لإدخالنا في منطقة التأويل، للاختلاف بالرأي حول صواب إحدى الشخصيات أو خطيئتها، هذا الفيلم يعامل المشاهدين بوصفهم مراهقين أغبياء، تروى لهم القصة وتأويلاتها دون مساحة لمخيلتهم الشخصيَّة تتنفس فيها.
وتؤكد نهاية الفيلم ذلك بشكلٍ جلي، فبعد فشل عدة محاولات لاجتماع العاشقين، وأعني الزوجة الخائنة والصحفي، تقول الزوجة للصحفيَّة الشابّة أن قلبها فقد قدرته على المواصلة، وأنها ترفض محاولة اللقاء بأوهير مرة أخرى، لكن انعطافًا ساذجاً في الأحداث، جاء من انتباه الأرشيفي إلى بقاء صندوق بريد الزوجة مفتوحاً، جعل الصحفية الشابة تقنع أوهير بمراسلة حبيبته مرة أخيرة وطلبها في موعد، يتحقق من أجل نهايةٍ سعيدةٍ للفيلم، دون أن نجد فيه مساحة للتعبير عن عمق تناقضات المشاعر الإنسانية في القصة، أو نرى انفعالات الزوج عند معرفته بخيانة زوجته، أو نستشعر اليأس لدى أوهير بعد أن فقد حبيبته أول مرة، ولم نرها مجدداً عندما فقدها ثانيَّةً بعد ذلك بأربع سنوات، والأهم من ذلك لم نجد الحاجة أو تفاصيل قصة الحب، التي بدأت دون أن نشعر بها كمشاهدين بين الصحفيَّة والأرشيفي.
هذا الفيلم يذكرني على صعيد شخصي بفيلم (قبل أن نذهب before we go )، والذي يمكن اعتباره نقيضا مطلقاً لفيلم (آخر رسالة من حبيبك). حين حول كريس إيفانز بطل الفيلم والمخرج، نصاً بلا قصةٍ إلى حالة سينمائية عذبة وبسيطة خالية من الضوضاء البصريَّة والسمعيَّة، تجلّت فيها صورة وشخصيَّة الإنسان المنكسر همساً، المحب للحياة في الوقت نفسه، حيث تمكن الإخراج والسيناريو المتقنان من إنتاج فيلمٍ رائقٍ للنفس والعين، رغم خلو الفيلم من قصةٍ كبيرة، بينما أخفقت قصةٌ كبيرةٌ رغم حضور أداءٍ متميزٍ من جميع أفراد كادر فيلم (آخر رسالة من حبيبك) من إنتاج فيلمٍ جيدٍ بسبب ضعفٍ كبيرٍ في السيناريو والإخراج. وقد يكون هذا درساً جيداً لأوغستين فريزل مفاده بأن القدوم من عالم الدراما التلفزيونية، لا يؤهل بالضرورة لملء مقعدٍ سينمائي حتى في فئات السينما التجاريَّة البسيط.