ريسان الخزعلي
الأديب، ومهما كان توصيف جنسه الإبداعي، لا بدَّ أنْ يُطوّع هذا التوصيف كي يكون مجسّات مدبّبة تصل إلى إبداع الآخر، المُناظِر أو الموازي، حتى وإن اختلف معه في فهم الإبداع، شكلًا وفنًا
وطرائق.
إنَّ الإنصات إلى الشكل الإبداعي الذي يُلائم حساسيَّة وذوق هذا الأديب، يُفترض ألا يكون هو المقياس المعياري الوحيد في التلقّي، كون الإبداع لا يوجد لهُ حدٌّ نهائيٌّ مغلق، إذ لا توجد مواصفات جاهزة يمكن أن تضعهُ في المكان الأعلى أو الأدنى -عدا مشتركات معروفة - مهما اجتهدت التنظيرات التي والمت واضعيها، والتي لا يمكن لها أن تمسك بالمحددات المطلقة، لأنَّ الإبداع لهُ إطلاقيات نسبيّة وعامة. فما الذي يوحّد مثلًا بين هوميروس وشكسبير والمتنبي وامرئ القيس ورامبو وأدونيس والجواهري والسيّاب وغائب طعمة فرمان ومحمد خضير ومظفر النواب، وغيرهم الكثير.
وما هذه الأسماء، ليست للحصر وإنما للإشارة الخاطفة لاغير، كون المديات الإبداعيّة أوسعَ من هذا التحديد.
إنَّ الذي يوحّد بينهم هو طرائق الإبداع غير المتشابهة، أي طرائق الخصوصيّة التي لولاها لاكتفينا بأحدهم - تبعًا لنوع التجنيس- حينما يكون التشابه مشتركًا بينهم.
في مشهدنا الثقافي العراقي، قلّة من الأدباء - وهي قلّة نوعية - تقرأ وتتفاعل وتنصت إلى إبداع الآخر وتكتب عنهُ، حتى وإن لم يكن الآخر مشابهًا أو متشابهًا لها/ معها في الفهم والنمط والرؤية والتذوّق.
إنَّ الشاعر/ الناقد حميد حسن جعفر واحدٌ من بين هذه القلّة، الذي أراه منصتًا بوعي فني/ جمالي لمعظم ما يصدر أو يُنشر للأدباء العراقيين. وهكذا نجدهُ راصدًا محللًا متذوّقًا، سواء كان ذلك في المتابعة أو في الكتابة الصحافية أو على صفحته في «الفيس بوك».
وأرى أنَّ هذا المبدع يتمتع بقوّة ذاتيّة إبداعيّة لا حاجز يفصلها عن الآخر. ورغم هذا الجهد المترفّع عن أيِّ تخرّصات سياسيّة أو نفسيّة أو اجتماعيّة، لا يوجد مَن يُشير إليه وإلى جهده في هذا المسعى الإبداعي. وهنا لا تتسع هذه الإشارة إلى ذكْرِ الذين يشابهونه في هذا التوجّه، ولهم علينا وقفةٌ لاحقة. ولكي لا نُخفي الرأس في رمال التبريرات، لذا استحقَ هذا
الإمضاء.